ولو كان ذا اسمها لقال معروفاً، وابن عطية منع ذلك في الآية، قال : لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف، كأنه يريد أن الجار متعلق بمحذوف وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزيئها إلا أنَّ في هذا نظراً إن أراده، لأن هذا الجار قائم مقام الخبر ولا أظن أحداً يمنع : هو السلطان في البلد، وهي الدار، والخيرة : من التخير كالطيرة من التطير فيستعملان استعمال المصدر، وقال الزمخشري ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ بيان لقوله " وَيَخْتَارُ "، لأن معناه : ويختار ما يشاء ولهذا
٢٨٢
لم يدخل العاطف، والمعنى أن الخيرة لله في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه.
قال شهاب الدين : لم يزل الناس يقولون : إن الوقف على " يَخْتَار " والابتداء بما على أنها نافية هو مذهب أهل السنة، ونقل ذلك عن جماعة كأُبيٍّ وغيره، وأن كونها موصولة متصلة " يَخْتَارُ " غير موقوف عليه هو مذهب المعتزلة، وهذا الزمخشري قد قرر كونها نافية وحصل غرضه في كلامه وهو موافق لكلام أهل السنة ظاهراً وإن كان لا يريده، وهذا الطبري من كبار أهل السنة منع أن تكون نافية، قال : لئلا يكون المعنى : أنه إن لم يكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل، وأيضاً فلم يتقدم نفي، وهذا الذي قاله ابن جرير مرويّ عن ابن عباس، وقال بعضهم : ويختار لهم ما يشاؤه من الرسل فـ " ما " على هذا واقعة على العقلاء.
فصل إن قيل :" ما " للإثبات فمعناه : ويختار الله ما كان لهم الخيرة، أي : يختار ما هو الأصلح والخير، وإن قيل : ما للنفي أي : ليس إليهم الاختيار، أو ليس لهم أن يختاروا على الله كقوله :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب : ٣٦] ثم قال منزِّهاً نفسه سبحانه وتعالى " عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي : إن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة ثم أكد ذلك بأنه ﴿يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ من عداوة رسول الله ﷺ " وَمَا يُعْلِنُونَ " من مطاعنهم فيه، وقولهم : هلا اختير غيره في النبوة، .
ولما بيَّن علمه بما هم عليه من الغل والحسد والسفاهة قال :﴿وَهُوَ اللَّهُ لا اا إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾، وهذا تنبيه على كونه قادراً على كل الممكنات عالماً بكل المعلومات منزهاً عن النقائص والآفات ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة لأن الثواب غير واجب عليه بل يعطيه فضلاً وإحساناً، و ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ ويؤكد قول أهل الجنة ﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر : ٣٤].
﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر :
٢٨٣
٧٤] ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس : ١٠] " ولَهُ الحُكْمُ " وفصل القضاء بين الخلق، قال ابن عباس : حكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية بالشقاء " وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ " أي : إلى حكمه وقضائه.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٨١
قوله تعالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْلَّيْلَ سَرْمَداً﴾ الآية، لما بيَّن بقوله ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا اا إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص : ٧٠] فصل عقيب ذلك ببعض ما يجب أن يحمد عليه بما لا يقدر عليه سواه، فقال :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْلَّيْلَ سَرْمَداً﴾، نبَّه بذلك على كون الليل والنهار نعمتان متعاقبتان على الزمان، ووجهه أن المرء في الدنيا مضطرٌّ إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه ولا يتم ذلك إلا براحة وسكون بالليل ولا بد منها والحالة هذه، فأما في الجنة فلا نصب ولا تعب ولا حاجة بهم إلى الليل، ولذلك يدوم لهم الضياء واللذات، فبيَّن بذلك أن القادر على ذلك ليس إلاّ الله فقال :" قُلْ أَرَأَيْتُمْ " أخبروني يا أهل مكة ﴿إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْلَّيْلَ سَرْمَداً﴾ دائماً ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ لا نهار معه ﴿مَنْ إله غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ﴾ بنهار تطلبون فيه المعيشة " أَفَلاَ تَسْمَعُون " سماع فهم وقبول ؟ قوله : أَرَأَيْتُم، وجعل تنازعاً في " اللَّيْل " وأعمل الثاني ومفعول " أَرَأَيْتُمْ " هي جملة الاستفهم بعده والعائد منها على الليل محذوف تقديره : بضياء بعده، وجواب الشرط محذوف، وتقدم تحرير هذا في الأنعام، وسرمداً مفعول ثان إن كان
٢٨٤
الجعل تصييراً، أو حال إن كان خلقاً وإنشاء، والسَّرمد : الدائم الذي لا ينقطع قال طرفة : ٤٠١٥ - لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ
نَهَارِي وَلاَ لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ