أو لاثنين والثاني هو ﴿مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ فمن رفع " مودة " كانت خبر مبتدأ مضمر أي هي مودة أي ذات مودة، أو جعلت نفس المودة مبالغة والجملة حينئذ صفة " لأوثاناً "، أو مستأنفة، ومن نصب كانت مفعولاً به، أو بإضمار " أعْنِي ".
الثالث : أن تجعل " ما " مصدرية، وحينئذ يجوز أن تقدر مضافاً من الأول أي أن سبب اتخاذكم أوثاناً من دون الله (مودة فيمن رفع مودة، ويجوزأن لا يقدر بل يجعل نفس الاتحاد) هو المودة مبالغة (و) في قراءة من نصب يكون الخبر محذوفاً على ما مَرَّ في الوجْهِ الأوّل.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع " مَوَدَّةُ " غير منونة، وجر " بَيْنِكُمْ "، ونافع وابن عامِرٍ وأبو بكر بنصب " مَوَدَّةً " (منونة ونصب " بَيْنَكُمْ " وحمزة وحفص بنصب " مودةً " ) غير منونة وجر بَيْنِكُمْ، فالرفع قد تقدم، والنصب أيضاً تقدم فيه وجهان.
ويجوز وجه ثالث وهو أن يجعل مفعولاً ثانياً على المبالغة والإضافة للاتساع في الظرف كقولهم :" يا سارقَ الليلةَ أهْل الدَّارِ " من صبه فعلى أصله، ونقل عن عاصم أنه رفع " مودة " غير منونة، ونصب بينكم وخرجت إضافة " مودة " للظرف،
٣٣٩
وإنما بني لإضافته إلي غير متمكن كقراءة :﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ بالفتح إذا جعلنا (بَيْنَكُمْ) فاعلاً، وأما " في الحياة " ففيه أوجُهٌ : أحدها : أنه هو وبينكم متعلقان " بمودة " إذا نونت جاز تعلقها بعامل واحد لاختلافهما.
الثاني : أن يتعلقا بمحذوف على أنهما صفتان لـ " المودة ".
الثالث : أن يتعلق " بَيْنِكُمْ " " بِمودّة " و " في الحياة " صفة لمودة، ولا يجوز العكس لئلا يلزم إعمال المصدر الموصوف، والفرق بينه وبين الأول عمل فيه المصدر قبل أن يوصف، وهذا عمل فيه بعد أن وصف، على أن ابن عطية جوز ذلك هو وغيره، وكأنهم اتسعوا في الظرف، فهذا وجه رابع.
الخامس : أن يتعلق " في الحياة " بنفس " بينكم " لأنه بمعنى الفعل، (إذ) التقدير : اجتماعكم ووصلكم.
السادس : أن يكون حالاً من نفس " دينكم ".
السابع : أن يكون " بيْنكم " صفة المودة و " في الحياة "، حال من الضمير المستكن فيه.
الثامن : أن يتعلق " في الحياة " " باتخذتم " على أن يكون " ما " كافة و " مودة " منصوبة، قال أبو البقاء : لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة (بالخبر).
قوله :" وقال " يعني إبراهيم ﴿إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم﴾، فعلى قراءة رفع " مودة " وخفض " بينكم " بالإضافة يكون المعنى : اتخذتم من دون الله أوثاناً وهي مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة، ومن خفض " مودة " من غير تنوين على الإضافة لوقوع الاتخاذ عليها، ومن نصب " مودة " ونونها ونصب " بينكم "
٣٤٠
فالمعنى : إنكم إنما اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتوادُّونَ على عبادتها، وتتواصلون عليها في الدنيا ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ﴾ تتبرأ الأوثان من عبادة عباديها وتتبرأ السادة من الأتباع، ويلعن الأتباع القادة.
ومأواكم النار جميعاً، العابدون والمعبودون ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾.
فإن قيل :(قال قبل هذا) ومأواكم النار، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير على لفظ الواحد.
وقال هنا :﴿وما لكم من ناصرين﴾ على لفظ الجمع فما الحكمة فيه ؟ فالجواب : أنهم لما أرادوا إحراق إبراهِيمَ عليه (الصلاة و) السلام، قالوا : نحن ننصر آلهتنا، كما قال تعالى (عنهم) : حَرِّقُوه وانصروا آلهتكم، فقال : أنتم ادَّعَيْتُم أن لهؤلاء ناصرينَ فما لكم كلكم أي الأوثان وعبدتهما من ناصرين، وأما هناك فلم يسبق منهم دعوى النصر فنفى الجنس بقوله :" ولا نصير ".
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٣٦
قوله تعالى :﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ أي صدقه، وهو أول من صدق إبراهيم، وكان ابن أخيه وقال إبراهيم :﴿إني مُهَاجر إلى ربي﴾ إلى حيث أمرني ربي بالتوجه إليه من " كوثا " وهو من سواد الكوفة إلى " حران ثم إلى الشام ومعه " لوط " وامرأته " سارة " وهو أول من هاجر ".
وقال مقاتل : هاجر إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) وهو ابن خَمْسٍ وسبعينَ سنةً.
ثم قال :﴿إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعونه، و " حكيم " لا يأمرني إلا بما يوافق الحكمة.
(فإن قيل) : قوله ﴿فآمن له لوط﴾ أي بعد ما رأى منه العجز القاهر، ودرجة لوط كانت عالية فبقاؤه إلى هذه الوقت مما ينقص من الدرجة، ألا ترى إلى أبي بكر - رضي الله عنه - لما قبل دين محمد - ﷺ - كان قبوله قبل الكل من غير سماع تكلم الخصَى، ولا رُؤية انْشِقَاق القَمَر.
فالجواب : أن لوطاً لما رأى معجزته آمن برسالته، وأما بالوحدانية فآمن مِن حيث سمع مقالته، ولهذا قال :﴿فآمن له لوط﴾، ولم يقل :" فآمن لوط ".
٣٤١


الصفحة التالية
Icon