بالرفع على الفاعلية بحذف " من ".
ثم (بين) سبب (ما) جرى عليهم فقال :﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ أي عن سبيل الحق، وهو عابدة الله " وكَانُوا مُسْتَبصْرِينَ " قال مقاتل والكلبي وقتادة كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى، وكانوا على الباطل، والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين وقال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر.
وقيل : كانوا مستبصرين بواسطة الرسل، يعني لم يكن لهم في ذلك عذر لأن الرسل أوضحوا السبل.
قوله :﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ عطف على " عاداً وثموداً " أو على مفعول :" فصدهم "، أو بإضمار : اذكروا، ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالدلالات كما قال في عاد وثمود " وكانوا مستبصرين " أي بالرسل.
﴿فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ﴾ أي عن عبادة الله، فقوله " في الأَرْضِ " إشارة إلى قلة عقلهم فاسْتكبارهم، لأن من في الأرض أضعف أقسام المكلفين، ومن في السماء أقواهم، ثم إن " من في السماء " لا يستكبرون على الله بالعبادة فكيف ﴿من في الأرض﴾، ﴿وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ﴾ أي فائتين من عقابنا.
قوله :" فَكُلاًّ " منصوب " بأخذنا " و " بذَنْبِه " أي بسببه أو مصاحباً لذنبه، ﴿فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً﴾ وهم قوم لوط والحاصب : الريح التي تحمل الحصباء وهي الحصا الصِّغَارُ وقيل : انت حجارة مَحْمِيَّة تقع على واحد منهم وتَنْفُذُ من الجانب الآخر، ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ يعني ثمود ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ﴾ وهم " قارون " وأصحابه، ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ يعني قوم نوح وفرعون وقومه.
وقوله :" مَنْ أَغْرَفْنَا " عائده محذوف لأجل سنة الفاصلة، ثم قال :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ يعني لم يظلمهم بالهلاك وإنما ظلموا أنفسهم بالإشراك.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٥٤
قوله (تعالى) :﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ (أَوْلِيَآءَ)﴾ يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها ﴿كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً﴾ لنفسها " بَيْتاً " تأوي إليه، وإن بيتها في غاية الضعف والوهي لا يدفع عنها حراً ولا برداً كذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفاً ولا ضرّاً ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ (لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾.
واعلم أنه تعالى مثل اتخاذهم الأوثان أولياء باتخاذِ العنكبوت) نسجه بيتاً ولم يمثل " نسجه " لأن " نسجه " له فائدة لولاه لما حصل، وهو اصطيادها الذباب من غير أن يفوته ما (هو) أعظم منها واتخاذهم الأوثان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا ولكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة (التي) هي خير وأبقى، فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت.
وقوله :﴿وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون﴾ إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يَخْرُبُ بأدنى شيء، ولا يبقى منه عينٌ ولا أثر، فذلك عملهم، ﴿لو كانوا يعلمون﴾.
(وَ) العنكبوت معروف، ونونه أصلية، .
والواو والتاء مزيدتان بدليل جمعه على " عناكب " وتصغيره عنيكب ويذكر ويؤنث، فمن التأنيث قوله :" اتخذت بيتاً " ومن التذكير قوله : ٤٠٣٠ - عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوتٌ
كَأَنَّ العَنْكبُوت هو ابْتَنَاهَا
وهذا مطرد في أسماء الأجناس يذكر ويؤنث.
قوله :﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ جوابه محذوف أي لما اتخذوا من يضرب له بهذه الأمثال لِحَقَارَتِهِ ومتعلق يعلمون لا يجوز أن يكون من جنس قوله :﴿وإنّ أوهنَ البيوت﴾
٣٥٦


الصفحة التالية
Icon