الآية في خلق السماوات والأرض بالمؤمنين مع أَن في خَلْقِهَا آية لكل عاقل كما قال تعالى :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر : ٣٨] وقال تعالى :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
[البقرة : ٤].
فالجواب : خلق السموات والأرض آية لكل عاقل، وخلقهما بالحق آية للمؤمنين فحسب ويدل عليه النقل والنقل، أما النقل فقوله تعالى :﴿مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الدخان : ٣٩] أخرج أكثر الناس عن العلم بكونه خلقهما بالحق مع أنه أثبت للكل بأنه خلقهما بقوله :﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾ وأما العقل فَـ(هُوَ أَنَّ) العاقل أَول ما ينظر إلى خلق السماوات والأرض يعلم أن لها خالقاً وهو الله، ثم (من) يهديه الله لا يقطع النظر عنهما عند مجرد ذلك بل يقول : إنه خلقهما متقناً محماً وهو المراد من قوله :" بالحق " لأن ما لا يكون محكماً يفسد ويبطل فيكون باطلاً، وإذا علم أن خالقهما متقناً يقول : إنه قادرٌ كاملٌ، حيث خلق، فأحكم، وعالم علمه شامل حيث أتقن فيقول :﴿لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ : ٣] ولا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات في الأرض ولا في السموات، ولا يعجز عن جمعهما كما جمع أجزاء الكائنات والمبدعات فيجوز بعث مَن في القبور، وبعثه الرسل، وهما بالخلق موجودان فيحصل له الإيمان بتمامه من خلق ما خلقه الله على أحسن نظامه.
قوله تعالى :﴿اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني القرآن لتعلم أن " نوحاً " و " لوطاً " وغيرهما كانوا على ما أنت عليه بلغوا الرسلة، وبالغوا في إقامة الدلالة، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة، وهذا تسلية للنبي - ﷺ - (وشرّف وكرّم).
قوله :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ الفحشاء : ما قَبُحَ من الأعمال، والمنكر ما لا يُعْرَف في الشرع.
قال ابو مسعود، وابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تهه عن النمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعداً، وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء
٣٥٩
والمنكر فصلاته وَبَالٌ عليه، ورُوِيَ عن أنس بن مالك قال :" كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله - ﷺ ثم (لا) يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه فوصف لرسول الله - ﷺ - حالُه فقال :" إنَّ صلاته تهاهُ يوماً " فلم يلبث أن تاب وحَسُنَ حاله "، وقال ابن عون : معنى الآية : إن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، وقيل : المراد بالصلاة القرآن كما قال :﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت به﴾ [الإسراء : ١١٠]، أي بقراءتك، وأراد أنه يقرأ القرآن في الصلاة، فالقرآن يَنْهَاهُ عن الفحشاء والمنكر.
قوله :﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أي ذكر الله أفضل الصناعات، قال عليه (الصلاة و) السلام :" أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بخيرِ أَعْمَالِكُمْ وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٍ منْ إعَطاءٍ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأن تَلْقوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْربُوا أعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ " قالوا : ماذا يا رسول الله ؟ قال : ذِكْرُ الله وسئل رسول الله - ﷺ - أيذ العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذَّاكِرُونَ الله كثيراً، قالوا يا رسول الله : ومِنَ الغازي في سبيل الله، فقال : لو ضرب بسيفه الكفارَ والمشركين حتى ينكسر أو يَخْتَضِبَ دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منهُ " وروي أبو هريرة قال :" كان رسول الله - ﷺ - يسير في طرق مكة مرَّ على جَبلٍ يقال له : حَمْدَان، فقال : سيروا هذا حَمْدان.
سبق المُفْرَدُونَ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " قيل : معنى قوله :﴿ولذكر الله أكبر﴾ أي ذكر الله إياكم أفضلُ من ذكركم إياه
٣٦٠
رُوِيَ ذلك عن عبد الله، وهو قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ويروى مرفوعاً عن موسى بن عُقْبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله - ﷺ - وقال عطاء في قوله :﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾ من أن يَبْقَى معه معصية ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ قال عطاء : لا يخفى لعيه شيء.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٥٨


الصفحة التالية
Icon