" النَّاسِ " إِذَا أريد بهم المؤمنون، وقال الزجاج بعد قوله :" وَجْهَكَ " معطوف تقديره " فَأَقِمْ وَجْهَكَ وأُمَّتَكَ " فالحال من الجميع، وَجَازَ حذل المعطوف لدلالة " مُنِيبِينَ " عليه، كما جاز حذفه في قوله :﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ أي والناسُ لدلالة :" إِذَا طَلَّقْتُمْ " عليه، كذا زعم الزجاج، في ﴿ يا أيها النَّبِيُّ﴾ [الطلاق : ١] وقيل : على خبر كان، أي كُونُوا مُنِيبِينَ، لدلالة قَوْلِهِ :" وَلاَ تَكُونُوا ".
فصل معنى منيبين إليه أي مُقْبِلِينَ عليه بالتوبة والطاعة، " وَاتَّقُوهُ " إي إِذَا أقبلتم عليه، وتركتم الدنيا، فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة " وأَقِيمُوا الصَّلاَةَ " ولا تَكُونُوا مِنَ المشركِينَ ؛ بإِعادة العامل.
وتقدم قراءتا " فَرَّقُوا، وَفَارَقُوا " وتفسير " الشِّيَعِ " أيضاً.
قوله :" فَرِحُونَ " الظاهر أنه خبر عن " كل حزب " ؛ وجوز الزمخشري أن يرتفع صفة " لكُلّ " قال : ويجوز أن يكون " من الذين " منقطعاً مما قبله ومعناه من المفارقين دينهم كل حزب فَرِحينَ بما لديهم، ولكنه رفع " فَرِحِين " وصفاً لكل كقوله : ٤٠٤٢ - وَكُلُّ خَلِيلٍ غَيْرُ هَاضِمِ نَفْسِهِ
.............................
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٠٨
قال أبو حيان : قدر أولاً " فَرِحِينَ " مجروراً صفة " لِرَجُلٍ " وهو الاكثر كقوله :
٤١١
٤٠٤٣ - جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ
فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدَّرْهَمِ
وجاز الرفع نعتاً " لكُلّ " كقوله : ٤٠٤٤ - وَلِهَتْ عَلَيْهِ كُلُّ مُعْصِفَةٍ
هَوْجَاءُ لَيْسَ لِلُبِّهَا زَبْرُ
وهو تقدير حسن.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٠٨
قوله :﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ قَحْطٌ وشدّة، ﴿دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ بالدعاء، لما بين التوحيد بالدليل وبالمثل بين أن لهم حالة يعترفون بها، وإن كانوا ينكرونه في وقت ما وهي حالة الشدة، ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً﴾، خصْبٌ أو نعمة، يعني إذا خلصناهم من تلك الشدة ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾، وقوله :" مِنْهُ " أي من الضر ؛ لأن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي على ذلك الضر وحده، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة ويحتمل أن يكون الضمير في " منه " عائد إلى الله تعالى، والتقدير ثم إذا أذاقهم اللَّهُ من فضله رحمةً خلصهم بها من ذلك الضر.
قوله :" إذَا فَريقٌ " هذه " إذا " الفُجَائِيَّة، وَقَعَتْ جَوَابَ الشرطِ ؛ لأنها كالفاء في أنها للتعقيب ولا يقع أول كلام، وقد تجامعها الفاء زائدةً.
٤١٢
فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا :﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾، وقال في موضع :﴿فَلَمَّا نَجَاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشرِكُونَ﴾ ولم يقل : فَرِيقٌ.
فالجواب : أن المذكور هناك غير معين، وهو ما يكون من هَوْل البحر، والتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل، والذي لا يشرك منهم بعد الخلاص فرقة منهم فهم في غاية القلة، فلم يجعل المشركين فريقاً لقلة من خرج من الشرك وأما المذكور ههنا الضر مطلقاً فيتناول ضُرَّ البحر والأمراض والأهوال، والمتخلص من أنواع الضر خلقٌ كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما فتخلصوا منه والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما فتخلصوا منه والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضُرّ ولم يبقوا مشركين، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضُرّ البحر بأجمعهم فلما كان الناجي من الضر المؤمن جمعاً كثيراً سمى الباقي فريقاً.
قوله :" لِيَكْفُرُوا " يجوز أن تكون لام " كي " وأن تكون لام الأمر ومعناه التهديد كقوله :﴿اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت : ٤٠] ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تَهْديدٍ فقال :" فَتَمَتَّعُوا ".
قرأ العامة بالخطاب فيه، وفي " تَعْلَمُونَ "، وأبو العالية بالياء فيهما، والأول مبني للمَفْعُولِ.
وعنه أيضاً " فَيَتَمَتَّعوا " بياء قبل التاء، وعن عبد الله " فلْيَتَمَتَّعُوا " بلام الأمر، والمعنى : فسوف تعلمون حالكم في الآخرة.
قوله :﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً﴾ أي بُرْهَاناً وحُجَّةً، فإن جعلناهُ حقيقة كان يتكلم مجازاً، وإن جعلناه على حذف مضاف أي ذا سلطان كان يتكلم حقيقة، وقال أبو البقاء هنا : وقيل : هو جميع سليط كرغيف ورغفان انتهى.
٤١٣
قال شهاب الدين : وهذا لا يجوز لأنه كان ينبغي أن يقال فهم يتكلمون.
و " فَهُوَ يَتَكَلَّمُ " جواب الاستفهام الذي تضمنته " أم " المنقطعة، وهذا استفهام بمعنى الإِنكار أي ما أنزلنا بما يقولون سلطاناً، قال ابن عباس : حجة وعُذْرا، وقال قتادة : كتاباً يتكلم بما كانوا به يشركون " أي ينطق بشركهم ".


الصفحة التالية
Icon