جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤١٢
قوله :﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾ أي الخِصْب وكَثْرة المطر " فَرِحُوا بِهَا " يعني فرح البطر لما بين حال الشرك الظاهر شركه، بين حال الشرك الذي دونه وهو من تكون عبادته للدنيا، فإذا أعطاه رَضِيَ، وإِذا منه سَخِطَ وقَنَطَ، ولا ينبغي أن يكون كذلك بل ينبغي أن يعبد الله في الشدة وزالرخاء.
فإن قيل : الفرح بالرحمة مأمور به قال :﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ [يونس : ٥٨] وهَهُنَا ذمهم على الفرح بالرحمة.
فالجواب : هناك قال افْرَحُوا برحمة الله من حيث إنها مضافة إلى الله، وهَهُنَا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مِثْلَ فرحهم إذا كان مِنَ الله.
قوله :﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ أي الجَدْبُ وقلَّةُ المَطَر، وقيل : الخوف والبَلاَء ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من السيئات ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ يَيأَسُوا من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمنين فإنهم يشركونه عند النعمة، ويرجُونَه عند الشدةِ.
قوله :﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ ألم يعلموا أن الكل من الله فالمحق ينبغي أن لا يكون نظره إلى ما يُوجَد بل إِلى من يُوجد وهو الله، فلا يكون له تبدل حال وإنما يكون عنده الفرح الدائم ولذلك قال :﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
٤١٤
قوله :﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ من البرِّ والصلة، و " المِسْكِين " بأن يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وابْنَ السَّبِيل " يعني المسافر، وقيل : الضيف.
وخص هذه الأصناف الثلاثة بالذكر دون بقية الأصناف الثمانية المذكورة في الصدقات، لأنه أراد ههنا بيان من يجب الإحسان إليه على كل من له مال، سواه كان زَكَوِيّاً أو لم يكن وساء كان قبل الحَوْلِ أم بعده ؛ لأن المقصودَ هنا الشفقة العامة وهؤلاء الثلاثة يجب الإحسان إليهم وإن لم يكن للأنسان مالٌ زائد أما القريب فتجب نفقته عليه إذا كان له مالٌ وإن لم يَحُلْ عليه الحَوْلُ والمسكين كذلك، فإن من لا شيءَ له إذا وقع في الحاجة حتى بلغ الشدة يجب على القادر دفع حاجته وإن لم يكن عليه زكاة، والفقير داخل في المسكين لأن من أوْصَى للمساكين بشيء يُصْرَفُ إلى الفقير أيضاً وإذا نظرتَ إلى الباقين من الأصناف رأيتهم لا يجب صرف المال إليهم إلا على الذين وَجَبت الزكاةُ عليهم وقدم القريب لأن دفع حاجته واجبٌ سواء كان في مَخْمَصَةٍ أو لم يكن فلذلك قُدِّمَ على من لا يجب دفع حاجته من غير مال الزكاة إلا إذا كان في شدة، وأما المسكين فحاجته ليست مختصة بموضع، فقدم على من حاجته مختصة بموضعٍ دُونَ مَوْضِعٍ.
قوله :" ذَلِكَ خَيْرٌ " يحتمل أنْ يُرادَ :" خير من عنده "، وأن يكون ذلك خير في نفسه ﴿لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ أي يطلبون ثواب الله مما يعملون ﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
فإن قيل : كيف قال :﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ؟ مع أن لِلإفلاح شرائطَ أخرى مذكورة في قوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ ؟ !.
فالجواب : كل وصف مذكور هنا يفيد الإفلاح، وكذا الذي آتى المال لوجه الله يفيد الإفلاح اللَّهُمَّ إلا إذا وُجِدَ مانعٌ من ارتكاب محظورٍ أو تركِ واجبٍ.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يذكُرْ غيره من الأفعال كالصلاة وغيره ؟ فالجواب : الصلاة مذكورة من قبل وكذا غيرها في قوله :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾ [الروم : ٣٠]، وقوله ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الروم : ٣١].
فإن قيل : قوله في البقرة :" فَأُولَئِكِ هُمُ المُفْلِحُونَ " إشارة إلى من أقام الصلاة وآتى الزكاة، وآمن بما أنزل على الرسول وبما أنزل من قبل وبالآخرين فهو المفْلح، وإذا كان المفلح منحصراً في " أولئك " فهذا خارج عنهم فكيف يكون مفلحاً ؟ !.
فالجواب : هذا هو ذاك لأن قوله :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾ أمر بذلك، فإذا أتَى
٤١٥
بالصلاة، وآتى المال، وأراد وجه الله ثبت أنه منم مُقِيمِي الصلاة ومُؤتِي الزكاة ومعترف بالآخرة.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤١٤