قوله :" لِيَجْزِيَ " في مُتَعَلَّقِهِ أوجه : أحدها :" يمهدون ".
والثاني :" يَصِّدَّعُونَ ".
والثالث : محذوف.
(و) قال ابن عطية : تقديره :" ذلك لِيَجْزِيَ " وتكون الإشارة إلى (ما تقدر مِنْ) قوله :" من كفَر ومَنْ عَمِلَ ".
هَذا قوله وجعل أبو حيان قسيم قوله :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ محذوفاً لدلالة قوله ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ عليه هذا إذا علقت اللام بـ " يَصَّدَّعُونَ " أو بذلك المحذوف، قال : تقديره " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله والكافرين بعدله ".
فصل قال ابن عباس :﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم﴾.
قوله :﴿ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات﴾ لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سببب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضَاً ويذرك لإضراره سبباً لئلا يتوهم (بِهِ) الظلم فقال :﴿يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ قيل : بالمطر كما قال تعالى :﴿بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [النمل : ٦٣]، أي قبل الفطرة، وقيل مبشرات بصلاح الأَهْوِية والأحوال ؛ فإن الرياح لو لم تَهُبّ لظهر الوباء والفساد وقرأ العامة :" الرياح " جميعاً لأجل " مبشرات "، والأعمش بالإفراد، وأراد الجنس لأجل " مبشرات ".
٤٢١
قوله :" وَلِيُذِقَكُمْ " إما عطف على معنى مبشرات لأأن الحال والصفة يُفْهما العلة فكان التقدير :" ليبشّر وليذيقكم " وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أَرْسَلَها، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل.
قوله :﴿وليذيقكم من رحمته﴾ (نعمته) بالمطر أو الخَصْب " وَلَتْجِرِيَ الفُلْكُ " لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله " بأَمْرِهِ " أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال :" وَلتَبْتَعوا " مسنداً إلى العباد ذكر بعده " مِنْ (فَضْلِهِ).
أي لا استقلال لغيره بشيء، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر " ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " هذه النعم.
فصل قال تعالى : ؟ هر الفساد - ليذيقهم بعض الذي عملوا " (وقال ههنا :" وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ " فخاطبهم ههنا تشريفاً، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مُبْعَد فلم يُخَاطَبْ وقال هناك :﴿بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ﴾ [الروم : ٤١) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال :" من رحمته " ؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضاً فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي، وأيضاً فلو قال : أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة، وأما إذا قال من رحمته كان غاية البشراة وأيضاً فلو قال : بما فعلتم لكان ذلك موهماً لنُقْصَان ثوابهم في الآخر، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن نُقْصَانِ عقابهم وهو كذلك وقال هناك :" لعلهم يَرْجِعُونَ " وقال ههنا : ولعلكم تشكرون، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم.
(قوله :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ لما بين الأصلين) بالبراهيم ذكر الأصل الثالث وهو النبوة فقال :﴿ولقد أرسلنا من قبلك
٤٢٢
رسلاً﴾
أي إرسالهم دليل رسالتك فإنهم لم يكن لهم شُغْلٌ غير شُغْلِكَ ولم يظهر عليهم غير ما أظهر عليك، ومن آمن بهم كان له (الانتصار) ومن كَذَّبهم أَصَابَهُمْ البَوَارُ، وفي تعلق الآية وجه آخر وهو أن الله لما بين بالبراهين ولم ينتفع بها الكفار سَلَّى قلب النبي عليه (الصلاة و) السلامَ وقال : حالك كحاكل من تقدمكم كان كذلك وجاءُوا بالبينات أيضاً : أي بالدلائل والدّلاَلاَتِ الواضحات على صدقهم وكان في قومهم كافرٌ ومؤمنٌ كما في قومك ﴿فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ﴾ عذبنا الذين كذبوهم ونصرنا المؤمنين.
[قوله :] وَكَانَ حَقّاً، وقف بعضهم على " حقاً " وابْتَدَأَ بما بعده فجعل اسم " كان " مضمراً فيها و " حقاً " خبرها، أي وكان الانتقام حقّاً، قال ابن عطية : وهذا ضعيف لأنه لم (يَدْرِ) قدر ما عرضه في نظم الآية يعني الوقف على " حقاً " ؛ وجعل بعضهم " حقاً " منصوباً على المصدر واسم كان ضمير (الأمر والشأن) و " علينا " خبر مقدم، و " نصر " اسم مؤخر، وجعل بعضهم " حقاً " خبرها و " علينا متعلق " بحقاً "، أو بمحذوف صفة له، فعلى الأول يكون بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد - ﷺ - أي علينا نَصْرُكُمْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ ونصرهم إنجاؤهم من العذاب، وعلى الثاني معناه وكان حقاً علينا ؛ أي نصر المؤمنين كان حقاً علينا.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٢١


الصفحة التالية
Icon