معنى ﴿كأن لم يسمعها﴾ شغل المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام ويجعل نفسه كأنه غافلة، وقوله :﴿كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً﴾ أدخل في الإعراض ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي مؤلم، ووصفه أولاً بأنه " مهين " وهو إشارة إلى الدوام فكأنه قال :" مُؤْلِم دَائم ".
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٣٥
قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...
﴾ الآية لما بين حال المُعْرِضِ عن سماع الآيات بين حال من يقبل على تلك الآيات بأنَّ لهم جناتِ النعيم.
ولذلك عذاب مهين ووحد العذاب، وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة (واسعة أكثر من الغضب، وكّر " العذاب " وعرف " الجنات " إشارة إلى أن الرحمة) تبين النعمة وتعرفها ولم يبين النعمة وإنما نبه عليها تنبيهاً.
وقوله :" خَالِدِينَ " حال، وخبر " إِنَّ " الجملة من قوله :" لَهُمْ جَنَّاتٌ " والأحسن أن يجعل " لَهُمْ " هو الخبر وحده، و " جَنَّاتٌ " فاعل به، وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ " خالدُونَ " بالواو فيجوز أن يكون هو الخبر والجملة أو الجارّ وحده حال، ويجوز أن يكون ( " خالدون " ) خبراً ثانياً.
قوله :" وَعْدَ اللَّهِ " مصدر مؤكد لنفسه ؛ لأن قوله :" لَهُمْ جَنَّاتٌ " في معنى وَعَدَهُم اللَّهُ ذَلِكَ، و " حَقّاً " مصدر مؤكد لغيره، أي لمضمون تلك الجملة الأولى، وعاملها مختلف، فتقدير الأولى وعد الله ذلك وعداً، وتقدير الثاني : أُحِقُّ ذلك حَقّاً، واعلم أنه " العزيز " في اقتداره " الحكيم " في أفعاله.
قوله :﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ وهذا تبيين لقوّته وحكمته، وقد تقدم الكلام
٤٤٠
على نظيرها في الوعد.
واعلم أن أكثر المفسرين قال : إن السموات مبسوطةً كصُحُفٍ مستوية لقوله تعالى :﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء : ١٠٤].
وقال بعضهم : إنها مستديرة وهو قول (جميع) المهندسين والغزاليُّ - رحمه الله - قال ونحن نوافقهم على ذلك فإن لهم عليها دليلاً من المحسوسات ومخالفة الحسّ لا يجوز وإن كان في الباب خبر نؤوله بما يحتمله فضلاً من (أن) ليس في القرآن والخبر مما يدل على ذلك صريحاً بل ما يدل عليه الاستدارة كقوله تعالى :﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء : ٣٣] " والفلك " اسم لشيء مستدير بل الواجب ان يقال : إن السماء سواء كانت مستديره أو صفحةً مستقيمة هو مخلوق بقدر الله لا بإيجاب وطبع (وتقدم) الكلام على نظير الآية إلى قوله :" كَرِيم ".
والكريم الحسن، أو ذي كرم لأنه يأتي كثيراً من غير حساب أو مُكْرِم مثل نَقِيصٍ للمُنْقِص.
قوله :﴿هَـذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ يعني هذا الذي ذكرت مما يُعَايِنُونَ خلق الله ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ من آلهتكم التي تعبدونها وتقدم " ماذا " الاستفهام في البقرة.
﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي بين، أو مبين للعاقل أنه ضلال، والمراد بالظالمين المشركين الواضعين العبادة في غير موضعها.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٤٠
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ لقمان قيل : أعجمي وهو الظاهر فمنعه للتعريف والعجمة الشخصية، وقيل : عربي مشتق من اللّقْم وهو حينئذ مُرَجَّل لأنه لم يبق له وضعٌ في النكرات ومنعه حينئذ للتعريف وزيادة الألف والنون، والعامل في " إذ " مضمر.
قال ابن إسحاق لقمانُ هو نَاعور بن ناحثور بن تَارخ، وهو آزر، وقال وهب كان ابن أخت أيوب وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب، وقال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل واتفق العلماء على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً إلا عكرمة فإنه قال كان نبياً وانفرد بهذا القول وقال بعضهم خُيِّرَ لُقْمَانُ : هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحقّ فأجاب الصوت وقال : إن خَيَّرَنِي ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعاً وطاعة فإني أعْلَمُ إن فعل بي ذلك أعاننين وعصمني فقال الملائكة بصوت لا يراهم لِمَ يا لقمانُ ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان أن يعن فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطا طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً، ومن يختر الدنيا على الآخرة تُغْنه الدنيا ولا يصيب الآخرة فتعجب الملائكة من حسن مَنْطِقِ فقام من نومه فأعطي الحكمة فانْتَبَه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما
٤٤٢