اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة، كُلّ ذلك بعفو الله عنه وكان لقمان تؤازره الحكمة، قال خالد الربعي : كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً، وقال سعيد بن المسيب : كان خياطاً، وقيل : كان راعِيَ غنم، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألستَ فلاناً الراعيَ فبم بَلَغْتَ ما بَلَغْتَ ؟ قال : بصدق الحديث، وأداء الأمانة وترك ما لا يَعْنِينِي، وقال مجاهد : كان عبداً أسود عظيم الشَّفَتَيْنِ مُشَقَّقَ القَدَمَيْنِ، وقال الحسن : اعتزل لقمان الناس فنزل ما بين الرقّة (وبيت) المقدس لا يخالطهم، وقال أبو جعفر : كان لقمانُ الحبشيُّ عبداً لرجل فجاء به إلى السوق ليبيعه فكَانَ كلما جاء إنسانٌ يشريته قال له لقمان : ما تصنع بي (فاعل فيقول : أصنع بك كذا وكذا فيقول : حاجتي إليك أن لا تَشْتِرِيَنِي حتى جاء رجل فقال له : ما تصنع بي) قال أُصَيِّرُك بواباً على بابي فقالك أنت اشتري فاشتراه وجاء به إلى جاره قال : وكان لمولاه ثلاثُ بناتٍ يَبْغِين في القرية، وأراد أن يخرج إلى ضيعةً له فقال له : إني أَدْخَلْتُ إليهن طعامَهُنَّ وما يَحْتَجْنَ إليه فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أحضر قال : ففعل فَخَرَجْنَ إليه فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أحضر قال : ففعل فَخَرَجْنَ إليه كما كُن يَخْرُجُنْ فقلن (له) : افتح الباب فأبى (عليهن) فَسَجَنَّه فَغَسَل الدم وجلس، فلما قدم مولاه لم يخبره (ثم عاد فأغلق الباب فجئن إليه فقلن له : افتح الباب فأبى فَشَجَجْنَه ورجَعنَ فغسل الدم وجلس فلما جاء مولاه لم يخبره) قال : فقالت الكبرى : وما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله - عز وجل - مني والله لأتوبَنَّ فتَابَتْ، (وقالت) الصغرى : ما بال هذا العبد الحبشيّ وهذه الكبرى أولى بطاعة الله - عز وجل - مني والله لأتوبَنَّ فَتَابَتْ فقالت الوسطى : ما بال هَاتَيْن وهذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله مني والله لأتوبن فتابت فتُبْنَ إلى الله تعالى وكُنَّ عَوَابِدَ القرية فقال غُوَاةُ القرية ما بال هذا العبد الحبشيّ وبنات فلان أولى بطاعة الله - عز وجل - منّا فتابوا، وعن مكحول : أن لقمانَ كان بعداً حبشياً لرجل من بني إسرائيل
٤٤٣
وكان مولاه يلعب بِالنَّرْدِ ويخاطر عليه، وكان على بابه نهرٌ جارٍ فلعب يوماً بالنَّرْدِ على أن من قهر صاحبه شرب الماء الذي في البحر كله أو افتدى منه فقمر سيد لقمان فقال له القامر : اشرب ما في النهر كله وإلا فافتديه فقال سَلْنِي الفداء فقال : عينيك أَفْقَأهُما أو جميع ما تملك فقال : أمْهِلْنِي يوماً قال لك ذلك.
فأمسى كئيباً حزيناً فكلمه لقمان فأعرض عنه فأعاد عليه القول فأعرض عنه فقال أخبرني فلعل لك عندي فرجاً فأخبره فقال : إذا قال لك الرجلُ اشرب ما في النهر فقل له أشرب ما بين حفتي النهر أو المد (فإنه) يقول لك ما بين حفتي النهر فقل له احبس عني المد حتى أشرب ما بين الحفتين فإنه لا يستطيع وتكون قد خرجت مما ضمنته له فعرف الرجل أنه قد صدق فطابت نفسه، فلما أصبح الرجل جاء فقال أَوْفِ لي شرطي فقال له نعم أشرب ما بين الضفتين أو المد فقال ما بين الضفتين قال فاحبس عني المد قال كيف أستطيع فخصمه قال فأعتقه مولاه فأكرمه الله تعالى وكان يختلف إلى داودَ - عليه السلام - يقتبس منه فاختلف إليه سنة وداود يتخذ درعاً يسأله ما هذا ولم يخبره داود حتى فرغ منها ولَبِسَها على نفسه فقال عند ذاك : الصمت حكمة.
فصل لما بين الله تعالى فساد اعتقاد المشركين في عبادة من لا يَخْلٌُ شَيْئاً قوله :﴿هَـذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ [الروم : ١١] بين أن المشرك ظالم ضالٌّ ذكر ما يدل على أن ضلاله وظلمهم نقيض الحكمة إن لم يكن هناك نبوة وذكر حكاية لقمان فقال :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾.
(والحكمة) عبارة عن توفيق العمل بالعلم، فإن أريد تَحْدِيدُها بما يدخل فيه حكمة الله فنقول : حصول العلم على وفق المعلوم.
قوله :" أَنْ اشْكُرْ " هذه " أن " المفسرة، فسر الله إيتاء الحكمة بقوله :﴿أَنِ اشْكُرْ للَّهِ﴾ ثم بين أن الشكر لا يشفع إلا الشاكر بقوله :﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ وبين أن من كفر لا يتضرر غير الكافر، فقال :﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي غير محتاج إلى شكره، وقدم الشكر على الكُفْرَانِ ههنا وقال في الروم :{مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ
٤٤٤


الصفحة التالية
Icon