يَدِي في يده.
فسكنت الريح فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه، وقال مجاهد : مقتصد في القول أي من الكفار لأن منهم من كان أشد قولاً من بعض.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في العنكبوت :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت : ٦٥] وقال ههنا :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ ؟ !.
فالجواب : لما ذكر ههنا امراً عظيماً وهو الموج الذي كالجبال بقي أثر ذلك في قلوبهم فخرج منهم مقتصد أي في الكفر وهو الذي انزجر بعض الانزجار، ومقتصد في الإخلاص فيبقى معه شيء منه ولم يبق على ما كان عليه من الإخلاص، وهناك لم يذكر مع ركوب البحر معانيه مثل ذلك الأمر فذكر إشراكهم حيث لم يبق عندهم أُر.
قوله :﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ﴾ في مقابلة قوله تعالى :﴿إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَاتٍ﴾ يعني يعترف بها الصبار والشكور، ويجحدها الختَّارُ الكفور فالصّبَّار في موازنة الختار لفظاً ومعنى، والكفور في موازنة الشكور أمَّا لفظاً فظاهر، وأما معنى فلأن الختار هو الغدار الكثير الغدر، أو شديد الغدر مثال مبالغة من الخَتْر وهو أشد الغدر (قال الأعشى) : ٤٠٦٠ - بِأَبْلَقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلَهُ
حِصْنٌ حَصِينٌ وجارٌ غَيْرُ خَتَّارِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٥٨
وقال عمرو بن معديكرب : ٤٠٦١ - فَإِنَّكَ لَوْ رأَيْتَ أَبَا عَمرٍو
مَلأتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ
وقالوا :" إنْ مَدَدَتْ لَنَأ مِنْ غَدْرٍ مَدَدْنَا لَكَ بَاعاً منْ خَتر " والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر لأن الصبور إن لم يعقدْ مع أحد لا يُعْهَدُ منه الإضرار فإنه يصبر ويفوض الأمر إلى الله، وأما الغدار فيعاهدك ولا يصبر على العهد فينقضه وأما أن الكفور في مقابلة الشكور معنى ظاهر.
٤٦٥
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٥٨
قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ﴾ لما ذكر الدلائل من أول السورة إلى آخرها وعظ بالتقوى فقال :﴿ يا أيها النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي﴾ لا يقضي، ولا يغني ﴿وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾.
قال ابن عباس : كل امرىء تهمه نفسه، واعلم أنه تعالى ذكر شخصين في غاية الشفقة والحنان والحُنُوِّ وهو الوالد والولد، فاستدل بالأولى على الأعلى فذكر الوالد والولد جميعاً لأن من الأمور ما يبادر الأب إلى تحمُّلِهِ عن الولد كدَفْع المال، وتَحَمُّل الآلام والولد لا يبادر إلى تحمله عن الوالد (مثل ما يبادر الوالد إلى تحمله عن الولد)، ومنها ما يبادر الولد إليه كالإهانة فإن من يريد (إحضار) والد آخر عند والٍ أو قاضٍ يهُونُ على الابن أن يدفع الإهانة عن والده ويحضر هو بدله وإذا انتهى الأمر إلى الإيلام يهون على الأب أن يدفع الألم عن ابنه وستحمله هو بنفسه.
فقوله :﴿لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ في دفع الآلام ﴿وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ في دفع الإهانة ثم قال :﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي إن هذا اليوم الذي هذا شأنه هو كائن لأن الله وعد به ووعده حق، وقيل : وعد الله حق بأنه لا يجزي والدٌ عن ولده لأنه وعد بأن لا تَزر وازرةٌ وزر أخرى ووعد الله حق ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي لا تغتروا بالدنيا فإنها زائلة لوقوع اليوم المذكور بالوعد الحق.
﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يعني الشيطان يزين في عينه الدنيا ويؤمله يقول : إنك تحصل بها الآخرة أو تلتذ بها ثم تتوب فَتجْتَمِع لك الدنيا والآخرة فنهاهم عن الأمرين.
قوله :" وَلاَ مَوْلُودٌ " دوزوا فيه وجهين : أحدهما : أنه مبتدأ، وما بعده الخبر.
والثاني : أنه معطوف على " وَالدٌ " وتكون الجملة صفة له.
وفيه إشكال وهو أنه
٤٦٦


الصفحة التالية
Icon