وعملوا السيئات " ؛ لأن المراد من " فَسَقُوا " كفروا، ولو جعل العقاب في مقابلة الكفر والعمل لظن (أن) مجرد الكفر (لا) عقاب عليه.
قوله :﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ﴾ صفة لعذاب، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة للنار قال : وذكر على معنى الجَحِيم والحَريق.
قوله :﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ﴾ قال أبيُّ بنُ كَعْبٍ والضَّحَّاكُ والحَسَنُ وإبْرَاهيمُ : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وهو رواية الوَالبِيِّ عن ابن عباسٍ، وقال عكرمة عنه : الحدود، وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب.
وقال ابن مسعود : هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي.
وأما العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة.
فإن قيل : ما الحكمة في مقابلته " الأدنى " " بالأكبر "، " والأدنى " إنما هو في مقابلة " الأقصى " " والأكبر " إنما هو مقابله " الأصغر " ؟ فالجواب : أنه حصل في عذاب الدنيا أمران : أحدهما : أنه قريب والآخر : أنه قليل صغير، وحصل في عذاب الآخرة أيضاً أمران، أحدهما : انه بعيد والأآخر أنه عظيم كبيرٌ لكن العرف في عذاب الدنيا هو أنه الذي يصلح التخويف به فإن العذاب العاجل وإن كان قليلاً فلا يَحْتَرِزُ عنه بعض الناس أكثر مما يَحْتَرِزُ من العذاب الشديد إذا كان آجلاً، وكذا الثواب العاجل قد يَرْعَبُ فيه بعض الناس ويستبعد الثوابَ العظيم الآجل.
وأما في عذاب الآخرة فالذي يصلح للتخويف هو العظيم والكبير (لا) البعيد لِمَا بينا فقال في عذاب الدنيا الأدنى ليحترز العاقل عنه ولو قال :" وَلَنُذِيقَنَّهُمْ
٤٨٨
من العذاب الأصغر " ما كان يحترز عنه لصغره وعدم فَهْم كونه عاجلاً، وقال في عذاب الآخرة الأكبر لذلك المعنى ولو قال : مِنَ العَذَابِ الأبعد الأقْصَى (لما حصل) التخويف به مثل ما يحصل بوصفه بالكِبَر.
قوله :" لعلهم يرجعون " إلى الإيمان يعني مَنْ بَقِي منهم بعد " بدر ".
فإن قيل : ما الحكمة في هذا الترجي وهو على الله تعالى محال ؟ فالجواب : فيه وجهان : أحدهما : معناه لنذيقنهم إذاقة الراجين كقوله :" إنَّا نَسِنَاكُمْ " يعني تركناكم كما يترك الناس (حيث لا يلتفت إليه) أَصْلاً كَذلِكَ ههنا.
والثاني : نذيقهم العذاب إذاقة يقول القائل : لعلهم يرجعون بسببه.
والثاني : نذيقهم العذاب إذاقة يقول القائل : لعلهم يرجعون بسببه.
قوله :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ (أي من ذكر بآيات الله) من النعم أولاً، والنِّقَم ثانياً ولم يؤمنوا، فلا أظلَمُ منهم أَحدٌ.
قوله :﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ﴾ هذه أبعد ما بين الرُّتْبَتَيْنِ معنىً، وشبهها الزمخشري بقوله : ٤٠٦٧ - وَمَا يَكْشِفُ الغَمَّاء إلاَّ ابْنُ حُرَّةٍ
يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٨٣
قال : استبعد (أن يزور) غمرات الموت بعد أن رآها وعرفها، واطلع على شدتها.
قوله :﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يعني المشركين) " مُنْتَقِمُونَ ".
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٨٣
قوله :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ لما قرر الأصول الثلاثة عاد إلى الأمثل الذي بدأ به وهو الرسالة المذكورة في قوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ﴾ [السجدة : ٣] وقال : إنَّكَ لَسْتَ بدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بل كان قبلك رسلٌ مثلُك، وذكر موسى لقربه (من) النبيِّ - ﷺ - ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم، وإنما لم يختر عيسى - عليه (الصلاة و) السلام (للذكر) والاستدلال لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوّته، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنُبُوَّة عيسى عليه السلام فتمسك بالمجمع عليه.
قوله :﴿فَلاَ تَكُنْ فِي مَرْيَةٍ﴾ قرأ الحسن بالضم وهي لُغَةٌ، وقوله :" مِنْ لِقَائِهِ " في الهاء أقوال : أحدها : أنها عائدة على " مُوسَى " والمصدر مضاف لمفعوله أي من لقائِكَ مُوسى ليلةَ الإسراء.
وامْتَحَنَ المبردُ الزجاجَ في هذه المسألة فأجاب بما ذكر، قال ابن عباس وغيره : المعنى فلا تكن في شَكٍّ من لقاء موسى فإنك تراه وتلقاه، روى ابن عباس " عن النبي - ﷺ - قال : رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسري بي مُوسىَ رَحُلاً آدَمَ طُوالاً جَعْداً كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعاً إلى الحُمرةِ والبَيَاض سَبْطي الرأس، ورأيتَ مالِكاً خَازِنَ النَّارِ والدَّجَّال في آيات أَراهَنَي اللَّهُ إيَّاهُ " والثاني : أن المضير يعود على " الكتاب " وحينئذ يجوز أن تكون الإضافة للفاعل أي من لقاء الكتاب لموسى أو للمفعول أي من لقاء موسى الكتاب لأن اللقاءَ يصح نسبته إلى كل منهما، لأن من لقيك فقد لقيته.
٤٩٠


الصفحة التالية
Icon