قوله :﴿ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ﴾ (أي الذين ولدوهم ﴿هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه﴾ أي أعدل قال عبد الله بن عِمران زيد بن حارثة مولى رسول الله - ﷺ - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ادْعُوْهُمْ لآبائهم هو أقسط عند) الله.
واعلم أن قوله : هو أقسط أي دعاؤهم لآبائهم فهو مصدر قَاصِرٌ لدلالة فعله عليه كقوله :﴿اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة : ٨] قال ابن الخطيب وهو يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون ترك الإضافة للعموم أي اعدلوا كل كلام كقولك الله أكبر.
الثاني : أن يكون ما تقدم مَنْوِيّاً كأنه (قال) : ذلك أقسط من قولكم هو ابن فلان ثم تمم الإرشاد فقال :﴿فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ااْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ أي قولوا لهم إخواننا فإن كانوا مُجَرَّدِينَ فقولوا موالي فلان ثم قال :﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ أي قبل النهي فنسبتموه إلى غيره.
قوله :﴿وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ يجوز في " ما " وجهان : أحدهما : أن تكون مجرورة المحل عطف على ( " ما " ) المجرورة قبلها بفي، والتقدير : ولكن الجناح فيما تعمدته.
الثاني : أنها مرفوعة المحل بالابتدءا والخبر محذوف، تقديره تؤاخذون به أو عليكم في الجُنَاح ونحوه.
قوله :﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ المغفرة هي أن يستر القادر قَبِيحَ مَنْ تَحْتِ قدرته حتى أنَّ العبد إذا ستر عيب سيده مخافةَ عقابه لا يقال غفر له والرحمة هي أن يميل بالإحسان إلى المرحوم لعجز المرحوم لا لعوض فإن من مال إلى إنسان قادر كالسلطان لا يقال رحمه وكذلك من أحسن إلى غيره رجاءً في خيره أو عوضاً عما صدر منه آنفاً من الإحسان لا يقال : رحمه إذا علم هذه فالمغفرة إذا ذكرت قبل الرحمة يكون معناها أنه ستر عيبه ثم رآه مفلِساً عاجزاً فرحمه وأعطاه، وإذا ذكرت المغفرة بعد الرحمة وهو قليل يكون معناها أنه مال إليه لعجزه فترك عقابه (ولم) يقتصر عليه بل ستر ذنوبه.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٩٥
قوله :﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم وقال ابن عباس (وقتادة) وعطاء يعني إذا دعاهم النبي - ﷺ - ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي - ﷺ - أولى بهم من طاعة أنفسهم.
وقال ابن زيد.
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى بينهم كما كنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه، وقيل : أولى بهم في الحمل على الجهاد وبَذْلِ النفس دونه، وقيل : كان النبي - ﷺ - يخرج إلى الجهاد فيقول قومٌ : نذهب فنَسْتَأْذِنُ من آبائنا وأمهاتنا.
فنزلت (الآية)، وروى أبو هريرة " أن النبي - ﷺ - قال :" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ أَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ اقرْءَوا إنْ شِئْتُمْ :﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ فَأَيُّمَا مؤمِن مَاتَ وتَرَكَ مالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دُنْيا أو ضياعاً فَلْيأْتني فَأَنَا مَوْلاَهُ " قوله :" وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " أي مثل أمهاتهم وهو أب لهم وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن، والخلوة بهن فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب قال الله تعالى :﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب : ٣٣] ولا يقال لبناتهن هن أخوات للمؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم وقال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - وهي أخت أم المؤمنين، واختلفوا في أنهن هل كن أمهات النساء المؤمنات، قيل : كن أمهات المؤمنين جميعاً وقيل : كن أمهات المؤمنين دون النساء.
روى الشعبِيُّ عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة يا أمه فقالت : لست لك بأم
٥٠٣