الخمسةَ بالذكر لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم من الرُّسُلِ، وقدم النبي - ﷺ - لأنه أولهم في كتاب الله، " كما قال ﷺ : كُنْتُ أَوَّلَ النبيّين في الخَلْقِ، وآخِرَهم في البَعْثِ " قال قتادة وذلك قول الله عز وجل :﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ﴾ فبدأ به - ﷺ - قال ابن الخطيب : وخص بالذكر أربعة من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، لأن موسى وعيسى كان لهما في زمان نبينا قوم وأمه فذكرهما احتجاجاً على قومهما، وإبراهيم (عليه الصلاة والسلام) يقولون بفضله (وكانوا يتبعونه في الشعائر، ونوحاً لأنه كان أصلاً ثانياً للناس حيث وجد الخلق منه بعد الطوفان)، وعلى هذا لو قال قائل : فآدم كان أولى بالذكر من نوح فنقول : خلق آدم كان للعمارة ونبوته كانت مثل الأبوّة للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب، وأما نوحٌ فكان مخلوقاً للنبوة وأرسل للإنزال ولما كذّبوه أهلك قومه وأغرقوا، وأما ذكرعيسى بقوله : عيسى ابن مريم والمسيح ابن مريم ؛ فهو إشارة إلى أنه لا أب له، إذ لو كان لوقع التعريفُ به.
قوله :" مِيثَاقاً غَلِيظاً " هو الأول، وإنما كرر لزيادة صفته وإيذانا بتوكيده، قال المفسرون : عهداً شديداً على الوفاء بما حملوا.
قوله :" ليسألَ " فيها وجهان : أحدهما : أنها لام كي أي أخذنا ميثاقهم ليسأل المؤمنين عن صدقهم والكافرين عن تكذيبهم فاستغنى عن الثاني بذكر مُسَبِبَّهِ وهو قوله :" وأَعَدَّ " ومفعول صدقهم محذوف أي صِدْقِهِمْ عَهْدَهُمْ، ويجوز أن يكون " صِدْقِهِم " في معنى تصديقهم ومفعوله محذوف أيضاً أي عن تصديقهم الأنْبِيَاءَ.
قوله :" وأَعَدَّ " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون معطوفاً على ما دل عليه " لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ " ؛ إذ التقدير : فأثاب الصادقين وأعد للكافرين.
٥٠٨
والثاني : أنه معطوف على " أَخَذْنَا " ح لأن المعنى أن الله أكد على النبياء الدعوة إلى دينه لإثابة المؤمنين وأعد للكافرين، وقيل : إنه حذف من الثاني ما أثبت مُقَابِلُهُ في الأول، ومن الأول ما أثبت مقابلهُ في الثاني والتقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم ويسأل الكافرين عما أجابوا رُسُلَهُمْ ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾.
فصل قال المفسرون : المعنى أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الصادقين عن صدقهم يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه أنهم صادقون بتبكيت من أرسلوا إليهم.
وقيل : ليسأل الصادقين عن علمهم بالله عز وجل، وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم بقلوبهم.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٣
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ...
الآية وهذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحث لا يبقى معه خوف من أحد وذلك حين حُوصِرَ المسلمون مع رسول الله - ﷺ - أيام الخَنْدَق، واجتمع الأحزاب واشتد الأمر على الأصحاب حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهود بأجمعهم، ونزلوا على المدينة وعمل النبي - ﷺ - الخَنْدَق وكان الأمر في غاية الشدة والخوف بالغاً إلى الغاية والله دفع القوم عنهم من غير قتال وآمَنَهُمْ من الخوف فينبغي أن لا يخاف العبدُ غَيْرَ ربه فإنه القادر
٥٠٩


الصفحة التالية
Icon