على كل الممكنات فكان قادراً على أن يقهر المسلمين بالكفار مع أنهم ضعفاء كما قهر الكافين بالمؤمنين مع قوتهم وشوكتهم.
قوله :" إذْ جَاءَتْكُمْ " يجوز أن يكون منصوباً " بنعمة " أي النعمة الواقعة في ذلك الوقت، ويجوز أن يكون منصوباً باذْكُرُوا على أن يكون بدلاً من " نعمة " بدل اشتمال، والمراد بالجنون الأحزاب وهم قريش وغَطفَان، ويهود قُرَيْظَةَ والنَّضِير ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ وهي الصَّبَا، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلق بنصر رسول الله - ﷺ - فقالت الشمالُ إن الحرَّّة لا تَسْرِي بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وروى مجاهد عن ابن عباس عن النبي - ﷺ - " قال :" نُصِرتُ بالصَّبَا وأهلكَتْ عَادٌ بالدَّبورِ " قوله :﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ قرأ الحسن بفتح الجيم، والعامة بضمها، و " جُنَوداً " عطفاً على " ريحاً " و " لَمْ تروها " صفة لهم، وروي عن أبي عمرو، وأبي بكر " لم يَرَوْهَا " بياء الغيبة، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ فبعث الله عليهم تلك اليلة ريحاً باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطنا الفَسَاطِيطِ وأطفأت النيرانَ وأَكْفَأت القُدُورَ، وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هَلُمَّ إليَّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النَّجَا النَّجَا أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال.
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ وهذا إشارة إلى أنه الله علم التجاءكم إليه وجاءكم فضله فنصركم على الأعداء عند الاستعداد والقصة مشهورة.
قوله :" إِذْ جَاؤُوكُمْ " بدل من " إذْ " الأولى، والحناجر جمع " حَنْجَرَةٍ " وهي رأس الغَلْصَمَةِ والغَلْصَمَة منتهى الحُلْقُومِ، والحلقوم مجرى الطعام والشراب، وقيل : الحلقوم
٥١٠
مَجْرَى النفس والمريء الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم وقال الرَّاغِبُ : رَأْسُ الغَْصَمَةِ من خارج.
قوله :" الظُّنُونا " قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بإثبات ألف بعد نون " الظُّنُون " ولام الرسول في قوله :﴿وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ﴾ [الأحزاب : ٦٦] ولام السبيل في قوله :﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ﴾ [الأحزاب : ٦٧] وصلاً وَوَقْفاً موافقة للرسم ؛ لأنهن رسمن في المصحف كذلك وأيضاً فإن هذه الألف تشبه هاء السكت لبيان الحركة، وهاء السكت تثبت وَقْفاً للحاجة إليها وقد ثبتت وصلاً إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف كما تقدم في البقرة والأنعام فكذلك هذه الألف، وقرأ أبو عمرو وحمزةُ بحذفها في الحالين ؛ لأنها لا أصل لها وقولهم : أجريت الفواصل مُجْرَى القوافي غير معتدٍّ به لأن القوافيَ يلتزم الوقف عليها غاباً، والفواصل لا يلزم ذلك فيها فلا تُشَبَّهُ بها، والباقون بإثباتها وقفاً وحذفها وصلاً إجراء للفواصل مُجْرَى القوافي في ثبوت ألف الإطلاق كقوله : ٤٠٦٩ - اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِالوَفَاءِ وَبِالعَدْلِ
وَوَلَّى المَلاَمَةَ الرَّجُلاَ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩
وقوله : ٤٠٧٠ - أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالعِتَابَا
وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أَصَابَا
ولأنها كهاء السكت وهي تثبت وقفاً وتحذف وصلاً، قال شهاب الدين :" كذلك يقولون تشبيهاً للفواصل بالقوافي وأنا لا أحب هذه العبارة فإِنها منكرة لفظاً ".
ولا خلاف في قوله :﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ أنه بغير ألف في الحالين.
٥١١


الصفحة التالية
Icon