فصل المعنى إذْ جَاؤُوكُمْ من فوقكم أي من فوق الوادي من قبل المَشْرِق وهم " أَسَدٌ "، وغَطَفَان عليهم مالكُ بن عَوْف النَّضرِيّ، وعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْن الفزَاريّ في ألفٍ من غَطَفَانَ ومنهم طلحةُ بن خُوَيْلد الأسَدِيّ في بني أسد، وحُيَيّ بن أَخْطَبَ في يهودِ بني قُرَيْظَةِ ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ أي من بطن الوادي من قِبَلِ المَغْرب وهم قُرَيْشٌ وكِنَانَةُ عليهم أبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ ومن معه وأبو الأعور بن سُفْيَانَ السُّلَمِي من قبل الخندق، وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله - ﷺ - بَنِي النَّضِير من ديارهم ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ﴾ مالت وشَخِصَتْ من الرعب، وقيل : مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحُلُوق من الفَزَع، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف.
قال الفراء معناه أنهم جَبنُوا، سبيل الجَبَان إذا اشتد خوفه أن تَنْتَفِخَ رِئَتُهُ فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة ولهذا يقال للجبال : انتفخ سحره ؛ لأن القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يَسُدَّ مخرج النفس فلا يقدر المرء (أن) يتنفس ويموت من الخوف.
﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ﴾ وهو اختلاف الظنون، فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.
فإن قيل : المَصْدَرُ لا يُجْمَعُ فما الفائدة من جمع الظنون ؟ فالجواب : لا شك أنه منصوب على المصدر ولكن الاسم قد يجعل مصدراً كما يقال :" ضَرَبْتُهُ سِيَاطاً " و " أَدَّبْتُهُ مِرَاراً " فكأنه قال : ظَنَنْتُمْ ظَنّاً جاز أن يكون مصيبين فإذا قال : ظُنُوناً بين أن فيهم من كان ظنه كاذباً لأن الظنون قد تكذب كلها، وقد تكذب بعضها إذا كانت في أمر واحد كما إذا رأى جمع جسماً من بعيد فظنه بعضهم أنه زيدٌ، وآخرونَ أنه عمرو، وآخرون أنه بكرٌ، ثم ظهر لهم الحق قد يكونون
٥١٢
كلهم مخطئين والمرئي شجر أو حجر، وقد يكون أحدهم مصيباً ولا يمكن أن يكونوا كلهم مُصِيبِين في ظنونهم، فقوله :" الظُّنون " فادنا ان فيهم من أخطأ الظن، ولو قال :﴿تظنون بالله ظناً﴾ ما كان يفيد هذا، والألف واللام في " الظنون " يمكن أن تكون للاستغراق مبالغة بمعنى تظنون كل ظن، ولأن عند الأمر العظيم كل أحد يظن شيئاً، ويمكن أن تكون الألف واللام للعهد أي ظنونهم المعهودة ؛ لأن المعهود من المؤمن ظن الخير بالله كما قاله عليه (الصلاة و) السلام :" ظُنُّوا باللَّهِ خَيْراً " ومن الكافر الظن السوء كقوله تعالى :﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [ص : ٢٧] وقوله :﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ﴾ [الأنعام : ١٤٨].
قوله :" هُنَالِكَ " منصوب " بابْتُلِيَ ".
وقيل :" بتَظُنُّونَ " واستضعفه ابن عطية وفيه وجهان : أحدهما : أنه ظرف مكان بعيد أي في ذلك المكان الدحْضِ وهو الخَنْدق.
والثاني : أنه ظرف زمان، وأنشد بعضهم على ذلك : ٤٠٧١ - وَإِذَا الأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشَاكَلَتْ
فَهُنَاكَ يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ المَفْزَعُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩
وَزُلْزِلُوا " قرأ العامة بضم الزاي الأولى، (وكسر الثانية على اصل ما لم يسم فاعله، وروى غير واحد عن " أبي عمرو " كسر الأولى)، وروى الزمخشري عنه إشمامها كسراُ، ووجه هذه القراءة أن يكون أتبع الزاي الأولى للثانية في الكسر ولم يعتد بالساكن لكونه غير حصين كقولهم : مِبين - بكسر الميم - والأصل ضمها.
قوله :" زِلْزَالاً " مصدر مُبَيِّن للنوع بالوصف والعامة على كسر الزاي، وعيسى، والجَحْدَرِيّ فتحاها وهما لغتان في مصدر الفعل المضعف إذا جاء على " فعلال "
٥١٣