نحو :" زَلْزَال، وقَلقالَ وصَلْصَال، وقد يراد بالمفتوح اسم الفاعل نحو : صَلْصَال بمعنى مُصَلْصِلٌ بمعنى " مُزَلْزِل ".
فصل قال المفسرون : معنى ابتلي المؤمنون اختبر المؤمنون بالحَصْرِ والقتال ليبين المخلص من المنافق، والابتلاء من الله ليس لإبانة الأمر له بل لحكمة أخرى وهي أن الله تعالى عالم بما هم عليه لكنه أراد أظهار الأمر لغيره من الملائكة والأنبياء كما أن السيد إذا علم من عبده المخالفة عزم على معاقبته على مخالفته، وعنده غير من العبيد أو غيرهم فيأمره بأمر عالماً بأنه مخالف لكي يتبين الأمر عند الغير فيقع المعاقبة على أحسن الوجوه حيث لا يقع لأحد أنه يظلم، وقوله :﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ أي أزعجوا وحركوا حركة شديدة فمن ثبت منهم كان من الذين إذا ذكر الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.
ثم قال :﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ﴾ معتب بن قُشَيْر، وقيل : عبد الله بن أبي وأصحابه ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك وضعف اعتقاد ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ وهذا تفسير الظنون وبيان لها، فظن المنافقون أن ما قال الله ورسوله كان زوراً ووعدهما كان غروراً حيث ظنوا بأن الغلبة واقعة لهم يَعِدُنَا محمدٌ فَتْحَ قُصُرِ الشام وفارسَ وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا والله الغرور.
قوله :﴿وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾ أي من المنافقين " وهم أوس بن قيظي وأصحابه " ﴿يا أَهْلَ يَثْرِبَ﴾ يعني المدينة، قال أبو عبيد(ة) : يَثْرِبُ : اسم أرض ومدينة الرسول - ﷺ - في ناحية منها، وفي بعض الأخبار :" أن النبي - ﷺ - نهى أن تمسى المدينةُ يَثْرِبَ، وقال : هي طابة " كأنه كره هذه اللفظة، وقال أهل اللغة : يثرب اسم المدينة، وقيل : اسم البقعة التي فيها المدينة، وامتناع صرفها إما للعلمية والوزن أو للعلمية والتأنيث، وأما
٥١٤
يَتْرَب - بالتاء المثناة وفتح الراء فموضع ضع آخر باليمن، قال الشاعر : ٤٠٧٢ - وَعَدْتَ وَكَانَ الخُلْفُ مِنْكَ سَجِيَّةً
مَواعِيدَ عُزْقُوب أَخَاء بِيَتْرَبِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩
وقال : ٤٠٧٣ - وَقَدْ وَعَدْتُكَ مَوْعِداً لوقت
مواعيد عرقوب أخاه بيترب
﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ قرأ حفصٌ، وأبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ بضم الميم، ونافعٌ وابنُ عامر بضم ميمة أيضاً في الدخان في قوله :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ﴾ [الدخان : ٥١] ولم يختلف في الأولى أنه بالفتح وهو " مقام كريم " والباقون بفتح الميم في الموضعين، والضم والفتح مفهومان من سورة مريم عند قوله :﴿خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ [مريم : ٧٣] فمعنى الفتح لا مكان لكم تنزلون به وتقيمون فيه.
ومعنى الضم لا إقامة لكم فارجعوا إلى منازلكم عن اتباع محمد - ﷺ -.
وقيل : عن القتال إلى منازلكم.
﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ﴾ هم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ أي خالية ضائعة، وهي مما يلي العدو ويخشى عليها السُّراق.
قوله :" عَورةٌ " أي ذاتُ عورة، وقيل : منكشفة أي قصيرة الجُدْرَان للسارق وقال الشاعر :
٤٠٧٤ - لَهُ الشِّدَّةُ الأُولَى إِذَا القَرْنُ أَعْوَرَا
٥١٥
وقرأ ابن عباس وابنَ يَعْمُرَ وقتادةُ وأبو رجاء وأبو حَيْوَة وآخرون : عَورة بكسر الواو وكذلك ﴿وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ﴾، وهما اسم فاعل، يقال : عَوِرَ المنزلُ : يَعْوِرُ عَوَراً وعَوِرَة فهو عَوِرٌ، وبيوتٌ عَوِرَةٌ، قال ابن جني : تصحيح الواو شاذ، يعني حيث تحركت وانفتح ما قبلها ولم تقلب ألفاً، وفيه نظر لأن شرط ذاك في الاسم الجاري على الفعل أن يعتل فعله نحومَقَامٍ ومَقَالٍ، وأما هذا ففعله صحيح نحو عَوِرَ، وإنما صح الفعل وإن كان فيه مقتضى الإعلال لِمَدْرَكٍ آخر وهو أنه في معنى ما لا يعلم وهو " أعور " ولذلك لم نتعجب من " عور " وبابه، وأعْوَرَّ المَنْزِلُ : بدت عَوْرَتُهُ، واعورَّ الفارس بدا منه خلله للضَّرْبِ قال الشاعر : ٤٠٧٥ - مَتَى تَلْقَهُمْ لَمْ تَلْقَ فِي البَيْتِ مُعْوَراً
وَلاَ الصَّيْفَ مَسْجُوراً ولاَ الجَارَ مُرْسَلاً
ثم كذبهم الله تعالى فقال :﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً﴾.
قوله :﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا﴾ ولو دخل عليهم المدينة أو البيوت يعني هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحواب " مِنْ أقْطَارِهَا " جوانبها.
وفيه لغة وتروى : أَفْتَار - بالتاء -.
والقُطْرُ : الجانب أيضاً ومنه قَطَرْتُهُ أي أَلْقَيْتُهُ على قطره فَتَقَطَّرَ أي وقع عليه قال : ٤٠٧٦ - قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَاراتُها
مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إِلاَّ أَنَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩