المضارع المنفي بلا لا يؤكد بالنون إلا ما نَدَرَ مما لا يقاس عليه والثاني فاسد المعنى.
قوله :" إنْ فَرَرْتُمْ " جوابه محذوف لدلالة النفي قبله عليه أو متقدم عند من يرى ذلك.
قوله :﴿وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إذَنْ جواب وجزاء، ولما وقعت بعد عاطف جاءت على الأكثر وهو عدم إعمالها ولم يشذّ هنا ما شَذَّ في الإسراء، فلم يقرأ بالنصب، والعامة بالخطاب في " تُمَتَّعُونَ ".
وقرىء بالغيبة.
فصل المعنى :" قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ المَوْتِ أَو القَتْلِ} الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أوقتل ﴿وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لا تمتعون بعد الفِرار إلا مدة آجالكم وهي قليل.
وهذا إشارة إلى ان الأمور مقدرة لا يمكن الفرار مما قدره الله لأنه كائن لا محالة فلو فررتم لما دمتم بل لا تمتعون إلا قليلاً وهو ما بقي من آجالكم فالعاقل لا يرغب في شيء قليل يفوت عليه شيئاً كثيراً.
قوله :﴿مَنْ ذَا الَّذِي﴾ تقدم في البقرة، قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة ولا عصمة إلا من السوء ؟ قلت : معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجْرِيَ مُجْرَى قوله :
مُتَقَلِّداً سيفاً وَرُمْحاً
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩
٥١٩
أو حمل الثاني على الأول لما في العِصْمَةِ من معنى المنع قال أبو حيان : أما الوجه الأول فيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها، والثاني هو الوجه لا سيما إذا قدر مضاف محذوف أي يمنعكم من مُرَادِ الله، قال شهاب الدين : وأين الثاني من الأول ولو كان معه حذف جُمَلٍ.
فصل المعنى من ذا الذي يمنعكم من الله إن أراد بكم سوءاً هزيمة أو أراد بكم رحمة نُصْرَةً، وهذا بيان لما تقدم من قوله :﴿لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ﴾ وقوله :﴿وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ تقرير لقوله :﴿مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي ليس لكم شفيع أي قريب ينفعكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم السوء إذا أتاكم.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٠٩
قوله :﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾ المثَبِّطين الناس عن رسول الله - ﷺ - ﴿وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ ارجعوا إلينا ودعوا محمداً فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قال قتادة : هم ناس من المنافقين كانوا يُثَبِّطُونَ أنصار النبي - ﷺ - يقولون لإخوانهم : إن محمداً وأصحابه لو كانوا (لحماً لالْتَهَمُهمْ) أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك.
وقال مقاتل : نزلت في المنافقين فإنّ اليهود أرسلوا إلى المنافقين قالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سُفْيَانَ ومَنْ مَعَهُ فإنهم إن قَدِرُوا عليكم في هذه المرة لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً وإنّا نشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هَلُمَّ إلينا فأقبل عبد الله بن أبيٍّ وأصحابُه على المؤمنين يُعَوِّقُونَهُمْ ويُخَوِّفُونَهُمْ بأبي سفيان وبمن معه قالوا : لئن قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحداً ما ترجون من محمد، ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ههُنَا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً.
قوله :" هَلُمَّ " (تقدّم) الكلام فيه آخر الأنعام.
وهو هنا لازم، وهناك مُتَعَدٍّ لنصبه مفعوله وهو " شُهَدَاءَكُمْ " بمعنى أَحْضِرُوهُمْ، وههنا بمعنى " احْضَرُوا " وتَعَالوا، وكلام الزمخشري هنا مؤذن بأنه متعد أيضاً وحُذِفَ مفعوله، فإنه قال :" وهَلُمُّوا إِلَيْنَا " أي قربوا أنفسكم إلينا (قال) :" وهي صوت سمي به فعل متعد مثل : احضَر وقَرْبْ "، وفي تسميته إياه صوتً نظر إذا أسماء الأصوات محصورة ليس هذا منها.
ولا يجمع في لغة الحجاز ويجمع في غيرها فيقال للجماعة : هَلُمُّوا وللنساء هَلْمُمْنَ.
قوله :﴿وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ﴾ الحرب " إِلاَّ قَلِيلاً " رياء وسمعة أي لا يقاتلون معكم ويتعللون عن الاشتغال بالقتال وقت الحضور معكم ولو كان ذلك القليل لكان كثيراً.
٥٢١


الصفحة التالية
Icon