أحدهما : هو " لكم " فيجوز في الجار الآخر وجوه : التعلق بما يتعلق به الخبر، أي بمحذوف على أنه حال من " أُسْوَةٍ " ؛ إذ لو تأخر لكان صفةً أو " بكان " على مذهب من يَرَاهُ.
الثاني : أن الخبر هو :" فِي رَسُولِ اللَّهِ " و " لَكُمْ " على ما تقدم في " رسول الله " أو يتعلق بمحذوف على التبيين أَعْنِي لَكُمْ.
قوله :﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه بدل من الكاف في " لَكُمْ " قاله الزمخشري، ومنعه أبو البقاء، وتابعه أبو حيان، قال أبو البقاء : وقيل : هو بدل من ضمير المُخَاطَبِ بإعادة الجارِّ، ومنع منه الأكثرون ؛ لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه.
وقال أبو حيان : قال الزمخشري بدل من " لكم " كقوله :﴿اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ﴾ [الأعراف : ٧٥].
قال : ولا يجوز على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأنشد : ٤٠٧٧ - بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ
وأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلّيلاً
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١
قال شهاب الدين : لا نسلم أن هذا بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة، بل بدل بعض من كل باعتبار الواقع لأن الخطاب في قوله :" لكُم " أعمّ مِن :" مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وغَيْره " ثم خصص ذلك العموم لأن المتأَسِّيَ به عليه (الصلاة و) السلام في الواقع إنما هو المؤمنون ويدل عليه ما قلته ظاهر تشبيه الزمخشري هذه الآية بآية الأعراف، وآية الأعراف البدل فيها بدل كل من كل ومجابٌ بأنه إنما قصد التشبيه في مجرد إعادة العامل.
٥٢٥
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة " لحَسَنَةٍ ".
والثالثك أن يتعلق بنفس " حسنة " قالهما أبو البقاء، ومنع أن يتعلق بأسوة قال : لأنها قد وصفت و " كَثِيراً " أي ذِكْراً كَثِيراً.
فصل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي قدوة صالحة أن تنصروا دين الله وتؤازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذا كسرت رُبَاعِيَّتُهُ، وجرح وَجْهُهُ وقتل عمه، وأوذي بَضُروبٍ من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً، واستنوا بسنته ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ قال ابن عباس لمن كان يرجو ثواب الله.
وقال مقاتل : يخشى الله واليوم الآخر أي يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال وذكر الله كثيراً في جميع المواطن على السراء والضراء، ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال :﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ﴾ لما بين حال المنافقين ذكر حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب وهو أنهم لما رأوا الأحزاب قالوا تسليماً لأمر الله وتصديقاً بوعده وهو قولهم :﴿هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، وقولهم ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ليس بإشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله قبل الوقوع وإنما هو إشارة إلى بشارة وهو أنهم قالوا :﴿هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ﴾ وقد وقع صدق الله في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ (عند وجوده ووعد الله إياهم ما ذكر في سورة البقرة :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾ [الآية : ٢١٤] إلى قوله :﴿إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة : ٢١٤] فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء فلما) (رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) أي تصديقاً لله وتسليماً له.
قوله :﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ من تكرير الظاهر تعظيماً لقوله :
٥٢٦
٤٠٧٨ - لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيءٌ
................................
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١


الصفحة التالية
Icon