ولأنه لو أعادهما مضمرين لجمع بين اسم الباري تعالى واسم رسوله في لفظة واحدة فكان يقال :" وصدقا "، والنبي - ﷺ - قد كره ذلك ورد على من قال حيث قال : مَنْ يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فقال له بئس خطيبُ القوم أنتَ قل : ومن يعص الله ورسوله قصداً إلى تعظيم الله.
وقيل إنما رد عليه لأنه وقف على " يَعْصِهِمَا " وعلى الأولى استشكل بعضهم قوله :" حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما " فقد جمع بينهما في ضمير واحد وأجيب : بأن النبي - ﷺ - أعرف بقدر الله منا فليس لنا أن نقول كما يقال.
قوله :" وَمَا زَادهم " فاعل " زادهم " ضمير الوعد أي وما زادهم وعد الله أو الصدق.
وقال مكي ضمير النظر لأن قوله " لما رأى " بمعنى لما نظر.
وقال أيضاً : وقيل ضمير الرؤية، وإنما ذكر لان تأنيثها غير حقيقي ولم يذكر غيرهما، وهذا عجيب منه حيث حجَّروا واسعاً مع الغنية عنه.
وقرأ ابن أبي عبلة " وما زادوهم " بضمير الجمع، ويعود للأحزاب لأن النبي - ﷺ - أخبرهم أن الأحزاب يأتيهم بعد عشر أو تسع.
قوله :﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ ووفوا به.
قوله :" صدقوا " صدق يتعدى لاثتين لثانيهما بحرف الجر، ويجوز حذفه ومنه المثل :" صَدَقَنِي
٥٢٧
سِنَّ بَكْرة " أي في سن.
والآية يجوز أن تكون من هذا، والأول محذوف أي صدقوا الله فيما عاهدوا الله عليه، ويجوز أن يتعدى لواحد كقولك " صَدَقِنِي زَيْدٌ، وكَذَبَنِي عَمْرٌوا " أي قال لي الصدق وقال الكذب، ويكون المعاهد عليه مصدوقاً مجازاً كأنهم قالوا للشيء المعاهد عليه لنوفين بك وقد فعلوا و " ما " بمعنى الذي، ولذلك عاد عليها الضمير في " عليه "، وقال مكي " ما " في موضع نصب " بصدقوا " وهي والفعل مصدر تقديره " صَدَقُوا " العهد أي وفوا به.
وهذا يرده عود المضير إلا أن الأخفس وابن السراج يذهبان إلى اسمية " ما " المصدرية.
(قوله) :" قَضَى نَحْبَهُ " النحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به قال : ٤٠٧٩ - عَشِيَّةَ فَرَّ الحَارِثيُّونَ بَعْدَمَا
قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى القَوْمِ هَوْبَرُ
وقال : ٤٠٨٠ - بِطَخْفَةَ جَالَدْنَا المُلُوكَ وَخَيْلُنَا
عَشِيَّةَ بَسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١
أي على أمر عظيم، ولهذا يقال : نحب فلان أي نذر نذراً التزمه ويعبر به عن الموت كقولهم " قَضَى أجله " لما كان الموت لا بد منه جعل كالشي الملتزم والنجيب البكاء معه صوت.
فصل قال المفسرون معنى ﴿صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ أي وفوا بعهدهم الذي عاهدوا الله " فَمِنْهُمْ نَحْبَهُ " أي فرغ من نذره ووفاه بعهده فصبر على الجهاد وقاتل حتى قتل
٥٢٨