والنحيب النذر قال القُرطبي : مَنْ قَضَى نحبه أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل : قضى نحبه أي بذل جهده في سبيل الوفاء بالعهد من قول العرب " نحب فلان في سيره يومه وليلته أجمع " إذ مد فلم ينزل ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾ الشهادة يعني من بقي من المؤمنين ينتظرون أحد أمرين إما الشهادة أو النصر ﴿وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً﴾ بخلاف المنافقين فإنهم قالوا : لا نولي الأدبار وبدلوا قولهم وولوا أدبارهم.
قوله :" لِيَجْزِيَ اللَّهُ " فيه وجهان : أحدهما : أنها لام العلة.
والثاني : أنها لام الصيرورة، وفيما يتعلق به أوجه إما " بصَدَقَوا " وإام " بزَادَهُمْ " وإما بمَا بَدَّلُوا وعلى هذا قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوقٌ إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلها، والمعنى ليجزي الله الصادقين بصدقهم أي جزاء صدقهم وهو الوفاء بالعهد.
﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ﴾ أي الذين كذبوا وأخلفوا، وقوله :" إنْ شَاءَ " ذلك فيمنعهم من الإيمان أو يتوب عليهم إن أراد ( " واو " ) وجواب إن شاء مقدر وكذلك مفعول " شاء " أي إن شاء تعذيبَهم عَذَّبهم، فإن قيل : عذبهم متحتم فكيف يصح تعليقه على المشيئة وهو قد شاء تعذيبهم إذا ماتوا على النفاق ؟ !.
فأجاب ابن عطية بأن تعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم، والعقوبة موازية لتلك الإقامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان إقامة على نفاق، أو توبة منه وعنهما ثمرتان تعذيب أو رحمة فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدةً من هاتين وواحدة (من هاتين) ما ذكر على ما ترك ذكره، ويدل على أن معنى قوله :" ليُعَذِّب " ليديم على النفاق، قَوْلُهُ :" إنْ شَاءَ " ومعادلته بالتوبة وحرف " أو ".
قال أبو حيان وكان ما ذكر يؤول إلى أن التقدير : ليقيموا على النفاق فيموتوا عليه إن شاء فيعذبهم أو يتوب عليهم فيرحمهم فحذف سبب التعذيب وأثبت المسبَّب وهو التعذيب، وأثبت سبب الرحمة والغفران وحذف المسبب وهو الرحمة والغفران،
٥٢٩
وقال ابن الخطيب إنما قال ذلك حيث لم يكن قد حصل ما بين النبي - ﷺ - عن إيمانهم وآمن بعد ذلك ناس ﴿وكان الله غفوراً﴾ حيث ستر ذنبهم و " رحيماً " حيث رحمهم ورزقهم الإيمان فيكون هذا فيمن آمن بعده.
أو نقول " ويعذب المنافقين " مع أنه كان غفوراً رحيماً لكثرة ذنوبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم ثم بين بعض ما جزاهم الله على صدقهم فقال :﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ﴾ وهم قريش وغطفان ردّهم بغيظهم لم تُشْفَ صدورهم بنيل ما أرادوا لم ينالوا خيراً " ظفراً " وَكَفَى اللَّهُ المؤمنين القِتَال بالملائكة والريح أي لم يحوجهم إلى القتال ﴿وكان الله قوياً﴾ في ملكه غير محتاج إلى قتالهم " عزيزاً " في انتقامه قادراً على استئصال الكفار.
قوله :" بغَيْظِهِمْ " يجوز أن تكون الباء سببية وهو الذي عبر عنه أبو البقاء بالمفعول أي أنها مُعَدِّية.
والثاني : أن تكون للمصاحبة فتكون حالاً أي مَغِيظِينَ.
قوله :﴿لم ينالوا خيراً﴾ حال ثانية أو حال من الحال الأولى فهي متداخلة، ويجوز أن تكون حالً من الضمير المجرور بالإضافة.
وجوز الزمخشري فبها أن تكون بياناً للحال الأولى أي مستأنفة، ولا يظهر البيان إلا على البدل والاستئناف بعيد.
قوله :" وَأَنْزَلَ الذينَ " أي أنزل الله الذين " ظَاهَرُوهُمْ " أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله - ﷺ - والمسلمين وهم بنو قريظة.
قوله :﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ بيان للموصول فيتعلق بمحذوف، (ويجوز أن يكون حالاً) " من صَياصِيهِمْ " متعلق " بأنزل " و " من " لابتداء الغاية، والصياصي جمع صِيصِيَةٍ وهي الحصون والقلاع والمعاقل ويقال لكل ما يمتنع به ويتحصن
٥٣٠
" صِيصِيَةٌ " ومنه قيل لقَرْن الثَّوْرِ ولشوكة الديك : صِيصِيَة، والصّيَاصِي أيضاً شوك الحكة، ويتخذ من حديد قال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ : ٤٠٨١ -......................
كَوَقْعِ الصَّيَاصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١