قوله :﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي.
قوله :" فريقاً تقتلون " منصوب بما بعده وكذلك " فريقاً " منصوب بما قبله، والجملة مبينة ومقررة لقذف الرعب في قلوبهم والعامة على الخطاب في الفعلين، وابن ذكوان - في رواية - بالغيبة فيهما، واليماني بالغيبة في الأول فقط، وأبو حيوة " تَأْسُرُونَ " بضم السين.
فإن قيل : ما فائدة التقديم المفعول في الأول حيث قال : تقتلون وتأخيره حيث قال " وتأسرون فريقاً ؟ !.
فالجواب : قال ابن الخطيب إن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأقرب فالأقرب والرجال كانوا مشهورين وكان القتل وارداً عليهم والأسراء كانوا هم النساء والذَّرَارِي ولم يكونوا مشهورين ولاسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلَّين ما هو أشهر على الفعل القائم به ومن الفعلين ما هو أشهر قدمه
٥٣١
على المحل الخفي ووجه آخر وهو أن قوله " فريقاً تقتلون " فعل ومفعول والأصل في الجمل الفعلية تقديم الفعل على المفعول والفاعل أما أنها جملة فعلية فلأنها لوكانت اسمية لكان الواجب في " فريق " الرفع، كأنه يقول فريق منهم تقتلونهم (فلما نصب كان ذلك بفعل مضمير يفسره الظاهر تقديره :" تقتلون فريقاً تقتلون " ) والحامل على مثل هذا الكلام شدة الاهتمام ببيان المفعول، وههنا كذلك لأنه تعالى لما ذكر حال الذين ظاهروهم وأنه قد قذف في قلوبهم الرعب فلو قال : تقتلون أوهم أن يسمع السامع مفعول " تقتلون " سبق في قلوبهم الرعب إلى سمعهم فيستمع إلى تمام الكلام، وإذا كان الأول فعلاً ومفعولاً قدم المفعول لفائدة عطف الجملة الثانية عليها على الأصل (فعدم) تقديم الفعل لزوال موجب التقديم إذ عرف حالهم وما يجيء بعده يكون مصروفاً إليهم فلو قال بعد ذلك :" وَفَريقاً تأسرون " فمن سمع " فريقاً " ربما يظن أنه يقال فيهم يطلقون أو لا يقدرون عليهم فكان تقديم الفعل ههنا أولى وكذا الكلام في قوله :﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ (ظَاهَرُوهُم)﴾ (ظَاهَرُوهُمْ) وقوله :" قذف "، فإن قذف الرعب قبل الإنزال لأن الرعب صار سبيل الإنزال ولكن لما كان الفرح في إنزالهم أكثر قدم الإنزال على قذف الرعب والله أعلم.
فصل فريقاً تقتلون هم الرجال قيل : كانوا ستمائة، و " تأسرون فريقاً " وهم النساء والذراري، قيل : كانوا سبعمائة وخمسين، وقيل تسعمائة ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا﴾ بعد ؛ قال ابن زيد ومقاتل يعني خيبر وقال قتادة.
كنا نحدث أنها مكية، وقال الحسن : فارس والروم وقيل : القلاع وقال عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة.
قوله :" لم تَطَئُوها " الجملة صفة " لأرضاً " والعامة على همزة مضومة ثم واو ساكنة، وزيد بن علي " تَطَوْهَا " بواو بعد طاء مفتوحة ووجهها أنها كبدلِ الهمزة ألفاًعلى الإسناد كقوله :
٥٣٢
٤٠٨٢ - إنَّ الأُسُودَ لَتُهْدَى في مَرَابِضِهَا
..............................
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١
فلما أسنده للواء التقى ساكنان محذوف أولهما نحو " لم تَرَوْهَا " وهذا أحسن من أن تقول ثم أجرى الألف المبدلة من الهمزة مجرى الألف المتأصلة فحذفها جزماً لأن الأحسن هناك أن لا يحذف اعتداداً بأصلها، واستشهد بعضهم على الحذف بقول زهير : ٤٠٨٣ - جَرِيء مَتَى يُظْلَمُ يُعَاقَبْ بظُلْمِهِ
سَرِيعاً وإِلا يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِم
قوله :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ هذا يؤكد قول من قال : إن المراد من قوله ﴿وأرضاً لم تطؤوها﴾ ما يؤخذ بعد من بني قريظة لأن الله تعالى لما ملكهم تلك البلاء ووعدهم بغيرها دفع استبعاد من لا يكون قوي الاتكال على الله تعالى وقال أليس الله ملككم هذه فهو على كل شيء قدير يملككم غيرها، روى أبو هريرة - " أن رسول الله - ﷺ - كان يقول :" لا إله إلا الله وحده، أعزَّ جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحدَه، فلا شيء بعده.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٢١