........................
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٣٤
لما تقدم قوله " من النِّسْوان " يرجع المعنى فحمل عليه، وأما " يؤتها " بالياء من تحت فالضمير لله تعالى لقتدمه في " لله ورسوله " وبالنون فهي نون العظمة، وفيه انتقال من الغيبة إلى التكلم، وقرأ الجَحْدَريُّ ويعقوبُ وابن عامر - في رواية - وأبو جعفر وشيبة :" تَقْنُتْ " بالتاء من فوق حملاً على المعنى وكذلك " وَتَعْمَلْ ".
وقال ابو البقاء : إن بعضهم قرأ " وَمَنْ تَقْنُتُ " بالتأنيث حملاً على المعنى وَيَعْمَلْ بالتذكير حملاً على اللفظ قال : فقال بعض النحويين : هذا ضعيف لأن التذكير أصل فلا يجعل تبعاً للتأنيث وما عللوه به قد جاء مثله في القرآن قال تعالى :﴿خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام : ١٣٩].
٥٤٠
فصل معنى أجْرَهَا مَرَّتَيْن أي مثل أجر غيرها، قال مقاتل : مكان كل حسنةٍ عشرون حسنةً ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾ يعني الجنة، ووصف رزق الآخرة بكونه كريماً مع أن الكرم لا يكون وصفاً إلا للرزاق، وذلك إشارة إلى أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس، التاجر يسترزق من السوقة، والعاملين والصناع من المتعلمين والملوك من الرعية منهم، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه وإنما هو مستمر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار، وأما في الآخرة فلا يكون له ممسك ومرسل في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرازق وفي الآخر يوصف بالكريم نفس الرزق.
قوله :﴿ يا نساء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ قال الزمخشري :" أحد " في الأصل يعني وَحَد وهو الواحد، ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث، والواحد وما وراءه والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعة النساء (أي) إذا تَقَصَّيْتُ جماعات النساء واحدةً واحداةً لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة.
ومنه قوله عز وجل ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ [النساء : ١٥٢] يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق البين.
قال أبو حيان أما قوله :" أحَد " في الأصل بمعنى " وحد " وهو الواحد فصحيح، وأما قوله : وضع إلى قوله وما وراءه.
فليس بصحيح، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحد لأن " واحد " ينطلق على شيء اتصف بالوحدة " وأَحَداً " المستعمل في النفي العام مختص بمن يعقل، وذكر النحويون أن مادَّته همزةٌ وحاءٌ ودالٌ ومادة " أحد " بمعنى واحد واو وحاء ودال فقد اختلفا مادة ومدلولاً، وأما قوله :" لَسْتُنَّ كجماعة واحدة " فقد قلنا إن معناه ليست كل واحدة منكن فهو حكم على كل واحدة لا على المجموع من حيث هو مجموع، وأما ﴿وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ فيحتمل أن يكون الذي يستعلم في النفي العام ولذلك جاء في سياق النفي فعم وصلحت
٥٤١
التثنية للعموم، ويحتمل أن يكون " أحدٌ " بمعنى " واحد " وحذفَ معطوفٌ، أي بين أحدٍ وأحدٍ (كما قال :) ٤٠٨٦ - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْر لَوْ جَاءَ سَالِماً
أبُو حَجَرٍ إِلا لَيَالٍ قَلاَئِلُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٣٤
أي بين الخير وبيني انتهى، قال شهاب الدين " أما قوله فإنهما مختلفان مدلولاً ومادة فمسَلَّم، ولكن الزمخشري لم يجعل أحداً الذي أصله واحد - بمعنى أحد المختص بالنفي، ولا يمنع أن " أحداً " الذي أصله " واحد " أن يقع في سياق النفي، وإنما الفارق بينهما أن الذي همزته أصل لا يستعمل إلا في النفي كأخواته في غريب، وكَيْتَع ودَابِر، وتامر والذي أصله واحد يجوز أن يستعمل إثباتاً ونفياً وأيضاً المختص بالنفي مختص بالعقلاء، وهذا لا يختص، وأما معنى النفي فإنه ظاهر على ما قاله الزمخشري من الحكم على المجموع ولكن المعنى على ما قاله أبو حيان أوضح وإن كان خلاف الظاهر ".
قوله :" إن اتَّقَيْتُنَّ " في جوابه وجهان : أحدهما : أنه محذوف لدلالة ما تقدم عليه أي إِن اتَّقَيْتُنَّ اللَّهُ فَلَسْتُنَّ كَأَحدٍ، فالشرط قيد في نفي أن يشبَّهْنَ بأحد من النساء.
والثاني : أن جوابه قوله " فَلاَ تَخْضَعْنَ " والتقوى على بابها، وجوز أبو حيان على هذا أن يكون " اتَّقَى " بمعنى اسْتَقْبَلَ أي استقبلتن أحداً فلا تُلِنَّ له القول، واتَّقَى بمعنى استقبل معروف في اللغة، وأنشد :
٥٤٢
٤٠٨٧ - سَقَطَ النَّصِيفُ ولم تُرِد إِسْقَاطَهُ
فَتَنَاوَلَتْهُ واتَّقَتُنَا بِاليَدِ