نفسه منه فكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون إليه واتخذه عيداً يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الخيل هجم عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فذلك قوله :﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾، وقيل : الجاهلية الأولى ما ذكرنا والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان، وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى كقوله تعالى :﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ﴾ [النجم : ٥٠] ولم يكن لها أخرى.
قوله :﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ يعني ليس التكليف في النهي وحده حتى يحصل بقوله :﴿وَلاَ تَخْضَعْنَ.
وَلاَ تَبَرَّجْنَ﴾ بل في النهي وفي الأوامر فأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله فيما أمر به، ونهى عنه ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾ قال مقاتل : الرجس : الإثم الذي نهى الله النساء عنه، وقال ابن عباس يعني عمل الشياطين وما ليس لله فيه رضا.
وقال قتادةُ يعني السوء، وقال مجاهد : الرِّجْس : الشَّكُّ.
قوله :" أَهْلَ البَيْتِ " فيه أوجه : النداء والاختصاص، إلا أنه في المخاطب أقل منه في المتكلم وسمع " بِكَ اللَّهَ نَرْجُو الفَضْلَ "، والأكثر إنما هو في التكلم كقولها : ٤٠٨٨ - نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ
نَمْشِي عَلَى النَّمارِقْ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٣٤
٥٤٧
(وقوله :) ٤٠٨٩ - نَحْنُ - بَنِي ضَبَّة - أَصْحَابُ الجَمَلْ
المَوْتُ أَحْلَى عِنْدَنَا مِنَ العَسَلْ
(و) " نَحْنُ العَرَبَ أَقْرَى النَّاسِ لِلضَّيْفِ " (و) :" نَحْنَ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورثُ " أو على المدح أي أمدحُ أهلَ البيت، واختلف في أهل البيت، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنهم نساء النبي - ﷺ - لأنهن في بيته، وتلا قوله :﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ وهو قول عكرمة ومقاتل.
وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة غيرهم إلى أنهم عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين، لما روت عائشة قالت :" خرج رسول الله - ﷺ - ذات غَداةٍ وعليه مرط مرجَّل من شعر أسود فجلست فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء حسين فأدخله فيه، ثم قال :" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتَ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً " وروت أم سلمة قالت :" في بيت أنزل : إنَّما يريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ قال : فأرسل رسول الله - ﷺ - إلى فاطمة وعلي والحسين والحسن فقال : هؤلاء أهل بيتي.
فقلت : يا رسول الله أما أنا من أهل البيت قال : بلى إن شاء الله، وقال
٥٧٨
زيد بن أرقم : أهل بيته من حرم الصدقة بعده، آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال ابن الخطيب : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين، وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته لمعاشرته بنت النبي عليه (الصلاة و) السلام وملازمته له " قوله :﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ يعني القرآن والحكمة، قال قتادة يعني السنة، وقال مقاتل : أحكام القرآن ومواعظه، و ﴿من آيات الله﴾ بيان للموصول فيتعلق " بأعني " ويجوز أن يكون حالاً إما من الموصول، وإما من عائده المقدر فيتعلق بمحذوف أيضاً ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً﴾ بأوليائه " خَبِيراً " بجميع خلقه.
قوله :﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ قال مقاتل : قالت أم سلمة بنت أبي أمية، ونسية بنت كعب الأنصارية للنبي - ﷺ - ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نَخْشَى أن لا يكون فيهن خير فنزلت فيهن هذه الآية، ويروى أن أزواج النبي - ﷺ - قلن : يا رسول الله ذكر الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة، فأنزل الله هذه الآية، ورُوِيَ " أن أسماء بنت عميسٍ رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي - ﷺ - فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن قلن : لا فأتت النبي - ﷺ - فقالت : يا رسول الله إن السناء لفي خيبة وخسارة، قال وممَّ ذلك ؟ قالت : لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال " فأنزل الله - عز وجل - :﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعين " والقَانِتَاتِ والصَّادِقينَ " في إيمانهم، وفيما سرهم وساءهم {والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ " على أمر الله " والصَّابِرَاتِ والخَاشِعِينَ "
٥٤٩