وهو إضمار القول، وفي هذه الآية دليل على أن تعليق الطلاق قبل النكاح لا يصح، لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح بكلمة " ثم " وهي للتراخي حتى (و) لو قال لأجنبية : إِذَا نَكَحْتُكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق فنكح، لا يقع الطلاق، وهو قول عَلِيٍّ، وابنِ مسعود، وجابر، ومعاذٍ، وعائشةَ.
وبه قال سعيد بن أبي المسيب، وعُرْوَةُ، وشُرَيْحٌ، وسعيد بنُ جبير، والقاسمُ، وطاوسٌ والحسنُ، وعكرمةُ، وعطاءُ بن يَسَارِ، والشّعبيُّ، وقتادةُ، وأكثر أهل العلم.
وبه قال الشافعيُّ، وأحمدُ.
وروى عن ابن مسعود أنه قال : يقع الطلاق وهو قول إبراهيم النَّخَعِيِّ وأصحابِ الرأي، وقال ربيعةُ ومالكٌ والأوزاعِيُّ : إن عين امرأةً يقع، وإن عم فلا يقع، ورى عكرمة عن ابن عباس قال : كذبوا على ابن مسعود إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول : إن تزوجت فلانة فهي طالق، يقول الله تعالى :﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ ولم يقل :" إِذَا طَلَقْتُمُوهنَّ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ " وروى عطاء عن جابر قال : قال رسول الله - ﷺ - " لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ " قوله :﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ تجامعوهن ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ أي تحصونها وتستوفونها بالأقراء والأشهر، " فتعتدونها " صفة " لعدة " وتعتدونها تفتعلونها إما من العَدَد، وإما من الاعْتِدَادِ أي تحتسبونها أو تستوفون عددها من قولك : عَدَّ الدَّرَاهِمَ فَاعْتَدَّهَا أي استوفى عددها، نحو : كِلْتُهُ فَاكْتَالَهُ، ووَزنتهُ فاتَّزَنَهُ، وقرأ ابن
٥٦٥
كثير - في رواية - وأهل مكة بتخفيف الدال وفيها وجهان : أحدهما : أنها من الاعتداد وإنما كرهوا تضعيفه فخفَّفوه ؛ قاله الرازي، قال : ولو كان من الاعتداء الذي هو الظلم لضعف، لأن الاعتداء يتعدى " بعلى ".
قيل : ويجوز أن يكون من الاعتداء وحذف حرف الجر أي تَعْتَدُونَ عَلَيْهَا أي على العدة مجازاً، ثم تعتدونها كقوله : ٤٠٩٨ - تَحِنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبَابِةٍ
وَأُخْفِي الَّذِي لَوْلاَ الأَسَى لَقَضَانِي
أي لقَضَى عَلَيَّ، وقال الزمخشري : وقرىء تَعْتَدُونَهَا مخففاً أي تعتدون فيها كقوله : ٤٠٩٩ - ويَوْم شَهِدْنَاهُ سُلَيْمَى وَعَامراً
قَلِيل سِوَى الطَّعْنِ النَّهَال نَوَافِلُهْ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٦٣
وقيل : معنى تعتدونها أي تعتدون عليهن فيها، وقد أنكر ابن عطية القراءة عن ابن كثير وقال : غلط ابن أبي بزة عنه، وليس كما قال.
والثاني : أنها من العدوان (والاعتداء) وقد تقدم شرحه، واعتراض أبي الفضل عليه بأنه كان ينبغي أن يتعدى " بعلى " وتقدم جوابه، وقرأ الحسن " تعْتدونها " - بسكون العين وتشديد الدال - وهو جمع بين ساكنين على (غير) حديهما.
٥٦٦


الصفحة التالية
Icon