تدخلوها غَيْرَ ناظِرينَ ولا مُسْتَأْنسين والمعنى ولا طالبين الأُنسَ لِلْحَديث، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلاً فَنُهُوا عن ذلك.
قوله :" لِحَدِيثٍ " يحتمل أن تكون لام العلة أي مستأنسين لأجل أن يحدث بعضكم بعضاً وأن تكون المقوية للعامل لأنه قرع أي ولا مستأنسين حديثَ أَهْل البَيْت أو غيرهم.
قوله :" إنَّ ذَلَكُمْ " أي إن انتظارَكم واسْئنَاسكم فأشير إِليهما إِشارة الواحد كقوله ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذالِكَ﴾ [البقرة : ٦٨] أي إن المذكور.
قوله :" فيستحيي منكم " قرىء " لا يَسْتَحِي " بياء واحدة، والأخرى محذوفة، واختلف فيها هل هي الأولى أو الثانية وتقدم ذلك في البقرة، وأنها رواية عن ابن كثير وهي لغة تميم يقولون اسْتَحَى يَسْتَحِي مثل : اسْتَقَى يستقي.
قوله :﴿وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ أن لا يترك تأديبكم وهذا إشارة إِلى أنّ ذلك حق وأدب، ثم ذكر أدباً آخر فقال :﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ أي من وراء سِتْر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأةٍ من نساء رسول الله - ﷺ - مُنْتقِبة كانت أو غير مُنْتَقِبة ﴿ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ من الريب لأن العين روزنة القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب، فأما وإن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر.
قوله :﴿وَلاَ أَن تَنكِحُوا ااْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً﴾ نزلت في رجلٍ من أصحاب النبي - ﷺ - قال : لئن قُبِضَ رسول الله - ﷺ - لأنكحن عائشةَ.
قال مقاتل بنه سليمان : هو طلحة ابن عُبَيْد الله فأخبر اللَّه عز وجل - أن ذلك مُحَرَّم وقال :﴿إِنَّ ذالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً﴾.
وروى مَعْمَرٌ عن الزهري أن العالية بنتَ ظبيان التي طلق النبي - ﷺ - تزوجت رجلاً وولدت له وذلك قبل تحريم أزواج النبي - ﷺ - على الناس.
٥٨٣
قوله :﴿إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ﴾ الآية نزلت فيمن أضمر نِكَاحَ عائشةَ بعد رسول الله - ﷺ - وقيل : قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع الدخول على بنات أعمامنا فنزلت هذه الآية، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأقارب ونحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله - عز وجل - ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ﴾ أي لا إثم عليهنّ في ترك الاحتجاب عن هؤلاء " وَلاَ نِسَائِهِنَّ " قيل : أراد به نساء المُسْلمات حتى لا يجوز للكتبيات الدخول عليهن.
وقيل : هو عام في المسلمات والكتبيات وإنَّمَا قال :" وَلاَ نِسَائِهِنَّ " لأنهن من أجناسهن، وقد الآباء لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر، وكيف وهم رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر، إنما الكلام في بني الإخوة حيث قدمهم الله عليه على بنات الأخواتِ لأن بني الأخوات آباؤهم في بني الإخوة حيث قدمهم الله عليه على بنات الأخواتِ لأن بين الأخوات آباؤهم ليس المحارم خالات أبنائهم وبني الإخوة آباؤهم محارم أيضاً، ففي بني الأخوات مفسدة ما وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك بنوة الإخوة.
فإن قيل : لم يذكر الله تعالى من المحارم الأعمام والأخوال ولم يقل : ولا أعمامهن ولا أخوالهن ؟.
فالجواب من وجهين : أحدهما : أن ذلك معلوم من بني الإخوة وبني الأخوات لأن من علم أن بني الأخ للعمّات محام علم أن بنات الأخ عند آبائهم وهم غير محارم وكذلك الحال في ابن الخال.
قوله :﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ ذكر هذا بعد الكل، فإن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة، واختلفوا في عبد المرأة هل يكون محرماً لها فقيل يكون لها لقوله :﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾، وقيل : المراد من كان دون البلوغ.
قوله :" واتَّقِينَ " عطف على محذوف أي امْتَثِلْنَ ما أُمرْتُنِ بِهِ واتَّقِينَ اللَّهَ أن يراكنّ غير هؤلاء، وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ في غاية الحسن في هذا
٥٨٤