وأبو البقاء، قال ابن عطية لأنه بمعنى مُنَتَفَوْنَ منها مَلْعُونينَ، وقال الزمخشري : دخل حرف الاستثناء على الحال والظرف معاً كما مر في قوله :﴿إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ﴾ وتقدم بحث أبي حيان معه، وهو عائد هنا، وجوز الزمخشري أن ينتصب على الشَّتْم ؛ وجوز ابن عطية أن يكون بدلاً من " قليلاً " على أنه حال كما تقدم تقريره، ويجوز أن يكون " ملعونين " نعتاً، لـ " قليلاً " على أنه منصوب على الاستثناء من واو " يجاورونك " كما تقدم تقريره، أي لا يُجَاوِرُكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَلِيلاً ملعوناً، ويجوز أن يكون منصوباً " بأُخِذُوا " الذي هو جواب الشرط نحو : خَيْراً إِنْ تَأْتِنِي تُصِبْ، وقد منع الزمخشري من ذلك فقال : ولا يصح أن يَنْتَصِبَ " بأخذ " لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيها قبلها، وهذا منه مشيء على الجَارَّةِ، وقوله ما بعد كلمة الشرط يشتمل فعل الشرط والجواب، فأما الجواب فتقدم حكمه وأما الشرط فأجاز الكسائيّ أيضاً تقديم معموله على الأداة، نحو :" زَيْداً إنْ تَضْرِبْ أُهِنْكَ " فتلخص في المسألة ثلاثة مذاهب المنع مطلقاً، الجواز مطلقاً، التفصيل يجوز تقديم معمولي الجواب، ولا يجوز تقديم معمولي الشرط وهو رأي الفراء.
قوله :" وَقُتِّلُوا " العامة على التشديد، وقرىء بالتخفيف.
وهذه يردها مجيء المصدر على التفعيل إلا أن يقال : جاء على غير مصدره، وقوله :" سُنَّةَ اللَّهِ " تقدم نظيرها.
٥٩١
قوله :" مَلْعُونينَ " مطرودين من باب الله وبابك، وإذا خرجوا لا يَنْفَكُّونَ عن الذلة ولا يجدون ملجأً بل أينما يكونون يؤخذون ويقتلون، وهذا ليس بِدْعاً بل هو سنة جارية وعادة مستمرة تفعل بالمكذبين ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأقوال أما الأفعال إذا وقعت والأخبار لا تنسخ.
قوله :﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ﴾ لما بين حالهم في الدنيا أنهم يُلْعَنُونَ ويُهَانُونَ ويُقْتَلُونَ أراد أن يبين حالهم في الآخرة، فذكرهم بالقيامة وما يكون لهم فيها فقال :﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ﴾ أي إن وقت القيامة علمه عند الله لا يبين لهم فإِن الله أخفاها لحكمةٍ وهي امتناع المكلف عن الاجتراء وخوفهم منها في كل وقت.
قوله :﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ﴾ الظاهر أن " لعل " تعلق كما تعلق التمني و " قريباً " خبر كان على حذف موصوف أي شيئاً قريباً، وقيل : التقدير : قيام الساعة فروعيت " الساعة " في تأنيث " يكون " ورُوعِيَ المضاف المحذوف في تذكير " قريباً " وقيل :" قريباً " أكثر استعماله استعمال الظرف فهو هنا ظرف في موضع الخبر.
وقال ابن الخَطِيب : فَعِيلٌ يستوي فيه المذكَّر والمؤنث قال تعالى :﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف : ٥٦] أي لعلَّ الساعةَ تكون قريبةً.

فصل المعنى أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قياماه أي أنت لا تعرفه لعل الساعة تكون قريباً.


وهذا إشارة إلى التخويف، ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ أي كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك هم يلعنون عند الله وأعد لهم سعيراً كما قال :﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ مطيلين المكث فيها مستمرين، وقوله " فِيهَا " أي في السعير لأنها مؤنثة، أو لأنه في معنى " جهنم " ﴿لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ حال ثانية، أو من " خَالِدِينَ " لا يجدون ولياً ولا نصيراً أي لا صديق يشفع لهم، ولا ناصر يدفع عنهم.
قوله :" يَوْمَ " معمول " لِخالدين " أو لمحذوف، أو " لنصير " أو " لاذْكُرْ " أو لِـ " يقولون " بعده، وقرأ العامة تُقَلأَّبُ - مبنيّاً للمفعول (و) وُجُوهُهُمْ رفع على ما لم
٥٩٢


الصفحة التالية
Icon