فصل لما لين حال من يسعى في التكذيب في الآخرة بين حاله في الدنيا وهو أن سَعْيَه باطل فإن من أُوتِيَ علماً لا يعتبر تكذيبه وهو يعلم أن ما أنزل إلى محمد عليه (الصلاة و) السلام حق وصدق وقوله : هُوَ الحَقّ يفيد الحصر أي ليس الحق إلا ذلك وأم قول المكذب فباطل بخلاف ما إذا تنازع خَصْمَان والنزاع لفظي فيكون قوله كل واحد حقاً في المعنى، قال المفسرون :﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْم﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سَلام وأصْحَابه ﴿الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ يعني القرآن هو الحق يعني أنه من عند الله.
قوله :﴿وَيَهْدِى ﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه مستأنف وفي فاعل احتمالان : أظهرهما : أنَّه ضمير " الَّذِي " وهو القرآن والثاني : ضمير الله تعالى ويتعلق هذا بقوله :﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد﴾ إذ لو كان كذلك لقيل : إلى صِراطِهِ ويجاب بأنه من الالتفات ومن إبراز المضمير ظاهراً تنبيهاً على وصفه بهاتين الصِّفَتَيْنِ.
الوجه الثاني : أنه معطوف على موضع " الحق " و " ان " معه مضمرة تقديره هو الحق والهداية.
الثالث : أنه عطف على " الحق " عَطْفَ فعل على اسم لأنه في تأويله كقوله تعالى :﴿صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ [الملك : ١٩] أي : وقَابِضَاتٍ كما عطف الاسم على الفعل بمعناه كقوله : ٤١٠٦ - فَألْفْيْتُهُ يَوْمًا يُبِيرُ عَدُوَّهُ
وَمُجْرٍ عَطَاءً يَسْتَخِفُّ المَعابِرَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣
كأنه قيل : وليروه الحق وهادياً.
الرابع : أن " ويهدي " حال من " الَّذِي أُنْزِلَ " ولا بدّ من إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كقوله :
١٣
٤١٠٧ -.............................
نَجَوْتُ وَأرَهْنُهُمْ مَالِكاً
وهو قليل جداً، ثم قال :﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد﴾ وهاتان الصفتان يفيدان الرهبة والرغبة فالعزيز يفيد التخويف والانقام من المكذب والحميد يفيد الترغيب في الرحمة للمصدق.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣
قوله :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ لما بين حالة المكذب بالساعة ورد عليه بقوله :﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ [سبأ : ٣] ثم بين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات وبين حال الكافر والمؤمن بعد قوله عليه (الصلاة و) السلام - " بَلَى وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُمْ " فقلا المؤمن الذي أنزل إليك من ربك الحق وهو يهدي وقال الكافر المنكر للبعث متعجباً :﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ﴾ يخبركم يعنون محمداً ﷺ - وهذا كقول القائل في الاستبعاد : جاء رجل يقول : إنَّ الشمسَ تَطْلُعُ من المَغْرِب ؛ إلى غير ذلك من المحاولات.
فصل إذَا مُزِّقْتُم " إذا " منصوب بمقدر أي تُبْعَثُون وتُحْشَرُون وَقْتَ تمزيقكم لدلالة :﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ عليه ولا يجوز أن يكون العامل " يُنَبِّئُكُمْ " لأن التنْبِيئَة " لأن التنْبِئَة لم تقع ذلك الوقت ولا " خَلْقٍ جَدِيدٍ " لأن ما بعد " إنَّ " لا يعمل فيما قبلها.
ومن توسع في الظرف أجازه
١٤
هذا إذا جعلنا " إذَا " ظَرفاً محضاً، فغن جعلناه شرطاً كان جوابها مقدراً أي تبعثون وهو العامل في " إذَا " عند جمهور النحاة.
وجوَّز الزجاج أن تكون معمولة لمُزِّقتُهْم، وجعله ابن عطية خطأ وإفساداً للمعنى، قال أبو حيان : وليس بخطأٍ ولا إفساد.
وقد اختلف في العامل في " إذا " الشرطية، والصحيح أن العامل فيها فعلُ الشرط كأخواتها من أسماء الشرط وقال شهاب الدين : والجمهور على خلافِهِ ثم قال أبو حيان : والجملة الشرطية تحتمل أن تكون معمولة " لِيُنَبِّئُكُمْ " لأن في معنى : يقول لكم إذا مزقتم تُبْعَثُونَ، ثم أكد ذلك بوقوله :﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ويحتمل أن يكون :﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ﴾ معلقاً " لِيُنَبِّئُكُمْ " سادًّا مسد المفعولين ولوللا اللام لفتحت " أن " وعلى هذا فحملة الشرط اعتراض، وقد مَنَعَ قوم التلعيقَ في " اعلم " وبابها والصحيح جوازه، قال : ٤١٠٨ - حَذَارِ فَقَدْ نُبِّئْتَ إنَّكَ لَلَّذِي
سَتُجْزَى بِمَا تَسْعَى فَتَسْعَد أو تَشْقَى
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٤
وقرأ زيْدُ بْنُ عليِّ بإبدال الهمزة ياء، وعنه يُنْبِئُكُمْ مِنْ " أَنْبَأَ " كأكْرَمَ و " مُمَزَّق " فيه وجهان : أحدهما : أنه اسم " مصدر " وهو قياس كلّ ما زاد على الثلاث أن يجئ مصدره وزمانه ومكانه على زنة اسم مفعوله أي كُلَّ تَمْزِيقِ.
والثاني : أنه ظرف مكان، قاله الزمخشري، أي كل تمزيق من القبور وبطون
١٥
الوحش والطير، ومن مجئ مُفَعَّل مجيء التَّفْعِيل قوله : ٤١٠٩ - ألَمْ تَعْلَمِي مُسَرِّحِي القَوافي
فَلاَ عيَّا بِهِنَّ وَلاَ اجْتلاَبَا