أي تسريحي، والتمزيق التخريق والتقطيع، يقال ثَوبٌ مُمَزَّقٌ ومَمْزَّقٌ ويقال : مزَّقَهُ فهو مَازِقٌ ومَزِقٌ أيضاً قال : ٤١١٠ - أتَانِي أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي
..........................
وقال الممزق العبدي - وبه سمي المُمَزَّقُ - : ٤١١١ - فَإن كُنْتُ مَأكُولاً فَكُنْ خَيْرَ آكِلِ
وَإلاَّ فَأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ
أي ولما أبْلَى وأَفْنَى، و " جَدِيد " عند البصريين بمعنى فاعل يقال : جَدَّ الشَّيْءُ فَهُوَ جَادّ وجَدِيدٌ وعند الكوفيين بمعنى مَفْعُول من جَدَدْتُهُ أي قَطَعْتُهُ.
فصل المعنى أن الكفار قالوا لقومهم متعجبين : إن محمداً يقول : إنكم إذا مِتَّمْ ومزقتم كل تمزيق وصرتم تراباً إنكم لفي خلق جديد أي تخلقون خلقاً جديداً.
١٦
(قوله) " أَفْتَرى " هذه همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل فلذلك ثبتت همزة الهمزة وصلاً وابتداء.
قال البغوي : هذه ألف استفهام دخلت على ألف الوَصْل فلذلك نُصِبَ " عَلَى اللَّهِ كَذِباً " وبهذه الآية استدل الجَاحِظُ على أن الكلام ثلاثة أقسام صِدق وكَذِب ولا صدق ولا كذب ووجه الدلالة عنه على القسم.
الثالث : أن قوله " بِهِ " جُنَّةٌ " لا جائز أن يكون كذباً لأنه قسيم الكذب وقسيم الشيء غيره ولا جائز أن يكون صدقاً لأنهم لم يعتقدوه فثبت قسم ثالث.
وأجيب عنه بأنَّ المعنى : أَمْ لَمْ يَفْتَر، ولكن عبر عن هذا بقولهم :" أَمْ بِهِ جِنَّةٌ " ؛ لأن المجنون لا افتراء له والظاهر في " أم " هذه أنها متصلة لأنها تقدر بأيِّ الشَّيْئَين ويجاب بأحدهما لأنه قيل : أي الشيئين واقع افتراؤه الكذب أم كونه مجنوناً ولا يضر كونها بعدها جملة لأن الجملة بتأويل المفرد كقوله : ٤١١٢ - لاَ أُبَالِي أَنَبَّ بالحَزْن تَيْسٌ
أَمْ جَفَانِي بظَهْرِ غَيْب اللَّئِيمِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٤
ومثل قوله الآخر : ٤١١٣ - لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وإنْ كُنْتُ دَارِياً
شُعَيْثُ بْنُ سَهْم أمْ شُعَيْثُ بْنُ مِنْقِرِ
لأن " منقر " خبر لا نعت كذا أنشده بعضهم مستشهداً على أنها جملة وفيه حذف التنوين بما قبل " ابن " وليس بصفة، وهذا إشارة إلى البحث المتقدم في سوة التوبة.
١٧
فصل قوله :﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ يحتمل أن يكون من تمام قول الكافر أولاً اي من كلام القائلين :" هَلْ نَدُلُّكُمْ " ويحتمل أن يكون من كلام الامع المجيب للقائل :" هَلْ نَدُلّكُمْ " كأن السامع لما قيل له : هل ندلكم على رجل قال له وهو يفتري على الله كذباً إن كان يعتقد خلافه " أَوْ بِهِ جُنَّةٌ " مجنون ؟ إن كان لا يعتقد خلاف، وفي هذا لطيفة وهي أن الكافر لاَ يَرْضَى بأن يظهر كذبه ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفترٍ بل قال مفتر أو مجنون احترازاً من أن يقول قائل : كَيْفَ يقول بأنه مفترٍ مع أنه جاز أن يظن أن الحق ذلك، وظن الصدق ينع تسمية القائل مفترياً وكاذباً في بعض المواضع إلا ترى أن من يقول : جَاءَ زيد فإذا تبين أنه لم يجئ وقيل له : لم كذبتَ ؟ يقول : ما كذبتُ وإنما سمعت من فلانٍ فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن فهم احترزوا عن تبيين كذبهم فكل عاقل بنبغي أن يحترز عن ظهور مرة أخرى رداً عليهم فقال :﴿بَلِ الَّذِينَ...
فِي الْعَذَابِ﴾ في مقابلة قولهم :﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾.
وقوله :" فِي الضِّلال البَعِيد " عن الحق في الدنيا، وهذا في مقابلة قولهم :" بِهِ جِنَّة " وكلاهما مناسب اما العذاب فلأن نسبة المكذب إلى الصادق مؤذٍ، لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوا العذاب إلى البرئ وأما المجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء فإنه لا يشهد عليه بأنه يعذب وإنما ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنَّهُم هم الضالون، ثم وصل ضلالهم بالبعد لأن من يسمي المهتديَ ضَالاً يكون أضلّ، والنبي عليه (الصلاة و) السلام (كان) هادي كل مهتد.
قوله :" أفَلَمْ " فيه الرأيان المشهوران، قدّره الزمخشري أَعَمَوْا فَلَمْ يَرَوْا، وغيره يدِّعِي أن الهمزة مقدم على حرف العطف.
قوله :" مِنَ السَّمَاءِ " بيان للموصول، فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً قيل :(و) ثمَّ حال محذوفة تقديره : أفَلَمْ يَرَوْا إلَى كَذَا مَقْهُوراً تَحْتَ
١٨