بالوجهين، وفي عطفِ المفرف بأل على المنادى المضموم ثلاثة مذاهب، الثاني : عطفه على الضمير المستكن في " أَوِّبِي " وجاز ذلك، للفصل بالظرف، والثالث : الرفع على الابتداء والخبر مضمير أي والطيرُ كذلك أي مؤوبةٌ.
فصل لم يكن الموافقون له في التأويب منحصراً في الطير والجبال ولكن ذكر الجبال لأن الصخور للجُمُود والطير للنفور وكلاهما مستبعد منه الموافقة، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشَدّ قسوة.
قال المفسرون كان داود إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصَدَاها وعكفت الطير على من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال
٢٢
فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح.
وقيل : كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطاً له.
قوله :" وَأَلَنَّا " عطف على " آتَيْتَا " وهو من جملة الفَضْل، قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يعطف على " قلنا " في قوله ﴿يا جِبَالُ أَوِّبِي.....
وَأَلَنَّا﴾.
فصل ألان الله تعالى له الحديد حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مِطْرَقَةٍ وذلك في قدرت الله يسير، روي أنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان الله له الحديدَ وعلمه صنعة اللَّبُوس وهي الدرع وأنه أول من اتخذها.
وإنما اختار الله له ذلك لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وتحفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل، فالزَّرَّاد خيرمن القوَّاس والسَّيَّاف وغيرهما ؛ لأن القوس والسيف وغيرهما من السلاح رُبَّمَا يستعمل في قتل النفس المحرمة، بخلاف الدَّرع قال عليه (الصلاة و) السلام :" كَانَ دَاوُدُ لاَ يَأكُلُ إلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ".
قوله :﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أنها مصدرية على حذف الجر أي لأَنْ.
والثاني : قاله الحَوْفيُّ وغيره إنها مفسرة لقوله :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ ورد هذا بأن شرطها تقدم بما هو بمعنى القول ولم يتقدم إلا " أَلَنَّا "، واعتذر بعضهُم عن هذا بأن قَدَّر ما هو بمعنى القول أي وأَمَرْنَاهُ أَنْ اعْمَلْ.
ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، وقرئ :" صَابِغَاتٍ " لأجل الغين وتقديم تقديره في لقمان عند " وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ".
٢٣
فصل معنى " سابغات " أي كوامل واسعات طوالاً تسحب في الأرض.
وذكر الصفة ويعلم منها الموصوف.
قوله :﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ والسرد : نسيج الدُّرُوع يقال لصانعه : السَّرَّاد " الزَّرَّاد.
والمعنى قدر المسامير في حلق الدروع أي لا تجعل المسامير غلاظاً فتكسر الحَلَق ولا دقاقاً فتُغَلْغِل فيها.
ويقال السرد المسمار في الحَلَقة، يقال : درع مسْرُودَة أي مَسْمُورَة الحَلَق.
قودر في السَّرد أي اجعله على القصدِ وقدْرِ الحاجة، ويحتمل أ، يقال السَّرد هو عمل الزرد.
وقوله :﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْد﴾ أي إنكم غيرمأمور به أمر إيجاب إنما هو اكتساب والكسب (إنما) يكون بقدر الحاجة وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل به القوت فحسب.
ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَاعْمَلُواْ صَالِحاً﴾ أي لستم مخلوقين إلا للعمل الصالح فاعملوا ذلك وأكثروا منه ولاكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله :﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يريد بهذا والكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله :﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يريد بهذا داود وآله، ثم لما ذكر المنيب الواحد منيباً آخر وهو سليمانُ كقوله تعالى :﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص : ٣٤] ذكر ما ساتفاد من الإنابة وهو قوله تعالى :﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ العامة على النصب بإضمار فعل، أي سَخَّرنَا لِسُلَيْمانَ، وأبو بكر بالرفع على الابتداء، والخبر في الجار قبله أو محذوف، وجوز أبو البقاء أن يكون فاعلاً يعني بالجار، وليس بقويّ لعدم اعتماده وكان قد وافقه في الأنبياء غيره،
٢٤