لِمَنْ أَذِنَ له ثم المستثنى منه المقدر يجوز أن يكون هو المشفوع له وهو الظاهر والشافع ليس مذكوراً إنما دل عليه الفحوى والتقدير : لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعة لأحدٍ من المشفوع لهم إلا لِمَنْ أَذِنَ له تعالى للشافعين أن يشفعوا فيه ويجوز أن يكون هو الشافع والمشفوع له ليس مذكوراً تقديره لا تنفع الشفاعة إلا لشافع أذن له أن يشفع وعلى هذا فاللام في " لَهُ " لام التبليغ لا لام العلة.
الثالث : أنه استثناء مفرغ أيضاً لكن من الأحوال العامة تقديره لا تنفع الشفاعةُ إلا كائنة لمن أذن له.
وقدره الزمخشري فقال : تقول الشفاعة لزيد على معنى الشافع كما تقول : الكرم لزيد على معنى أنه المشفوع له كما تقول : القيام لزيد فاحتمل قوله :﴿وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَه﴾ أن يكون على أحد هَذَيْن الوَجْهَينِ أي لا تنفع الشافعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له أو لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلا كائنة لمن أذن له أي لشفيعه أو هي اللام الثانية في قولك :" أَذِنَ زَيْدٌ لِعَمْرو " أي لأجله فكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وهذا وجه لطيفٌ وهو الوجهُ.
انتهى فقوله : القيام لزيدٍ يعني أنها لام العلة كما هي في :" القيامُ لزيدٍ " وقوله :" أَذِنَ زَيْدٌ لِعَمْرو " أن الأولى للتبليغ والثانية لام العلة، وقرأ الأخَوانِ وأبو عمرو " أُذِنَ " مبنياً للمفعول والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور والباقون مبنياً للفاعل أي أذن الله وهو المراد في القراءة الأخرى وقد صرح به في قوله :﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النجم : ٢٦] و " إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن ".
فصل معنى الآية إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ له في الشفاعة قاله تكذيباً لهم حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يَشَفْعَ لَهُ.
قوله :﴿حَتَّى إذَا﴾ هذه غاية لا بدّ لها من مُغَيَّا وفيه أوجه : أحدهما : أن قوله :" فَاتَّبعوه " على أن يكون الضمير في " عَلَيْهِمْ " من قوله :" صَدقَ عَلَيْهِمْ " وفي " قُلُوبِهم " عائداً على جمعي الكفار ويكون التفريغ حالة مفارقة الحياة أو يجعل اتباعهم إياه مفارقة إلى يوم القيامة مجازاً.
والجملة من قوله " قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زعمتُمْ " معترضة بين الغاية والمغيا.
ذكره أبو حيان.
وهو حسن.
والثاني : أنه محذوف قاله ابن عطية كأنه قيل : ولا هم شفاء كما تُحبّون أنتم بل هم عبدة أو مسلمون أي منقادون " حَتَّى إذَا فُرِّع عَنْ قُلُوبِهِمْ " انتهى وجعل الضمير في
٥٥
" قُلُوبِهِمْ " عائداص على الملائكة وقدر ذلك وضعف قول من جعله عائداً على الكفار أو على جميع العالم.
وقوله :﴿قَالُوا مَاذَا﴾ هو جواب " إذا "، وقوله :﴿قَالُوا الحَقَّ﴾ جواب لقوله :" مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ " و " الحَقَّ " منصوب بقَال مُضْمَرة أي قالوا : قَالَ رَبُّنَا الحَقَّ أي القَوْلَ الحَقَّ، إلاَّ أنَّ أبا حيان ردّ هذا فقال : وما قدّره ابن عطية لا يصح لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها (و) هم منقادون عنده دائماً لا ينفكون عن ذلك لا إذَا فُرِّع عَنء قُلُوبِهِمْ ولا إذا لم يُفَرَّعْ.
الثالث : أنه " زَعَمْتُمْ " أي زعمتم الكفر في غاية التفريغ ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق وعلى هذا يكون في الكلام التفات من خطاب في قوله :" زعَمْتُمْ " إلى الغيبة في قوله :" قُلُوبِهِمْ ".
الرابع : أنه ما فهم من سياق الكلام، قال الزمخشري : فإن قلت : باي شيء اتصل قوله :" حَتَّى إذَا فزع " ؟ وأي شيء وقَعَتْ " حَتَّى " غايةً ؟ قلتُ : بما فهم من هذا الكلام من أن ثَمَّ انتظاراً للأذن وتوقفاً وتمهلاً وفزعاً من الراجين الشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لايؤذن ؟ وأنه لا يطلق الإذن إلاَّ بعد مليِّ من الزمان وطول من التَّربُّص ودل على هذه الحالة قوله - عزّ من قائل - ﴿رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [النبأ : ٣٧] إلى قوله :﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ وَقَالَ صَوَاباً﴾ [النبأ : ٣٨] فكأنه قيل : يتربصون ويتوقفون ملِيًّا فزكعين وَجِلينَ حتى إذا فُزِّعَ عن قلوبهم أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن تَبَاشَرُوا بذلك وقال بعضهم لبعض : ماذَا قَالَ رَبَّكم قالوا الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وقرأ ابن عامر فَزَّعَ مبنياً للفاعل.
فإن كان الضمير في " قلوبهم " للملائكة فالفاعل في " فزع " ضمير اسم الله تعالى تلقدم ذكره وإن كان للكفار فالفاعل ضمير مُغْويهِمْ.
كذا قال أبو حيان والظاهر أنه يعود على الله
٥٦


الصفحة التالية
Icon