مطقاً وقرأ الباقون مبنياً للمفعول والقائم مقام الفاعل الجارّ بعده، وفعل ابتشديد معناه السلب هنا نحوه " قَر‍َّدْتُ البَعِيرَ " أي أزلتُ قُرَادَهُ كذا هنا أي أزال الفَزَعَ عنها أي كشف الفَزَعَ وأخرجه عن قلوبهم فالتفريعُ لإزالة الفزع كالتَّمْريض والتَّقْرِيد.
وقرأ الحَسَنُ فُزِعَ مبنياً للمفعول مخففاً كقولك " ذُهِبَ بِزَيْدٍ "، والحسن أيضاً قتادة ومجاهد فَرَّغَ مشدداً مبنياً للفاعل من الفَرَاغِ الفَنَاءُ والمعنى حتى إذا أفنى الله الرجل انتفى بنفسه أو نفى الوجل والخوف عن قلوبهم فلما بني للمفعول قام الجار مَقَامه وقرأ ابنُ مسعود وابنُ عمر افْرُنْقِعَ من الافرنقاع وهو التفرق قال الزمخشري : والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب " اقمطَرَ " من حروف القمط مع زيادة الراء، قال أبو حيان : فإن عنى أن العين من حروف الزيادة (وكذا الراء وهو ظاهر كلامه فليس بصحيح لأن العين والراء ليسا من حروف الزيادة) وإن عنى أنَّ الكلمة فيها حروف ما ذكر وزاد إلى ذلك العين والراء والمادة " فَرْقَعَ وقَمْطَرَ " فهو صحيح انتهى، وهذه قراءة مخالفة للشواذ ومع ذلك هي لفظة غريبة ثقيلة اللفظ نص أهل البيان عليها ومثلوا بها وحكي عن عيسى بن عمر أنه غُشِيَ عليه ذات يوم فاجتمع عليه النَّظَّارة فلما أفاق قال :" ما لي أرَاكُمْ تَكَأكأتم عَلَيَّ تكأكؤكم عَلَى ذِي جِنَّةٍ افْرَنْقِعُوا عنّي " أي اجتمعتم عليّ اجتماعكم على المجنون تفرقوا عني فعابها الناس عليه حيث استعمل مثل هذه الألفاظ الثقيلة المستغربة، وقرأ ابن عبلة بالرفع الحق على أنه خبر مبتدأ مضمر أي قالوا : قَوْلُهُ الحَقُّ.
٥٧
فصل اختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة فقيل : هم الملائكة، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم إنَّما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله - عزّ وجلّ - لِمَا روى أبو هريرة أن نبي الله - ﷺ - قال " إذَا قَضَى اللَّهُ الأمر فِي السَّمَاءِ ضَرَبت المَلاَئِكَةُ بأجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً " لِقَوْلِهِ كأنه سلسلة على صَفْوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق هو العلي الكبير وقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" خَوْفاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أهْلُ السَّمَواتِ ضَعُفُوا وخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّداً فيكُونُ أَوّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأسَهُ جبريل فُيَكلِّمهُ مِنْ وَحِيْهِ بَمَا أَرَادَ ثُمَّ يَمُرُّ جِبْريلُ عَلَى المَلاَئِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بسَماءٍ سَأَلَهُ مَلاَئِكَتُهَا ماذَا قَال رَبُّنَا يَا جبريلُ ؟ فيقُول جِبْريلُ الحقّ وهُو العَليُّ الكبيرُ قال : فيَقُولُون كُلُّهُمْ مثْلَ مَا قَالَ جبْريل.
فَيَنْتَهِي جِبْريلُ بالوحي حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ " وقيل : إنما يفزعون حذراً من قيام الساعة.
قال مقاتل والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد - عليهما (الصلاة و) السلام - خمسمائة سنة.
وقيل : سمتائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحياً فلما بعث الله محمداً - ﷺ - كلَّم جبريل - عليه (الصلاة و) السلام - بالرسالة إلى محمد - ﷺ - فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفاً من قيام الساعة فلما انْحدَرَ جبريلُ جعل يمُرُّ بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربُّكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير وقيل : الموصوف بذلك المشركون.
قال الحسن وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت إقامةً للحجة عليهم قالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار.
٥٨
قوله :" وهو العلي الكبير " فقوله :" الحق " إشارة إلى أنه كامل وقوله :" وهو العلي الكبير " إشارة إلى أنه فوق الكاملين في ذاته وصفاته.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٠


الصفحة التالية
Icon