قوله (تعالى) :﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ﴾ المطر " و " من " الأَرْضِ " النبات " قُل اللَّهُ " يعني إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت رازقكم الله.
قوله :﴿أو إيّاكُمْ﴾ عطف على اسم " إن " وفي الخبر أوجه : أحدها : أن الملفوظ به الأول.
وحذف خبر الثاني للدلالة عليه أي وإنَّا لعَلَى هُدًى أو في ضلال أو إنكم لَعَلى هدى أو في ضلال.
والثاني : العكس أي حذف الأول والملفوظ به خبر الثاني وهو خلاف مشهور وتقدم تحقيقه عند قوله :﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة : ٦٢] وهذان الوجهان لا ينبغي أي يحملا على ظاهرهما قطعاً لأن النبي - ﷺ - لم يشكّ أنه على هدى ويقين وأن الكفار على ضلال وإنما هذا الكلام جارٍ على ما تتخاطب به العرب من استعمال الإنصاف في محاوراتهم على سبيل الفرض والتقدير ويسميه أهل البيان الاسْتِدْرَاجَ وهو أن يذكر المخاطب أمراً يسلمه وإن كان بخلاف ما يذكر حتى يُصْغِي إلى ما يلقيه إليه إذ لو بدأه بما يكره لم يَصْغَ، ونظيره قولهم : أخْزَى اللَّهُ الكَاذِبَ مِنِّي ومِنْكَ ومثله قول الآخر :
٥٩
٤١٣١ - فَأيِّي مَا وأيُّكَ كَانَ شَرًّا
فَقِيدَ إلَى المُقَامَةِ ولا يَرَاهَا
وقول حسان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : ٤١٣٢ - أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ
مع العلم لكل أحد أنه - ﷺ - خير خلق الله كلهم.
الثالث : أنه من باب الف والنشر والتقدير : وَإنَّا لَعَلَى هُدًى وإنَّكُمْ لَفِي ضَلاَلٍ مُبين ولكن لفَّ الكَلاَمَيْنِ وأخرجهما كذلك لعدم اللبس، وهذا لا يتأتي إلا أن تكون " أو " بمعنى الواو.
وهي مسألة خلاف ومن مجيء " أو " بمعنى الواو قوله : ٤١٣٣ - قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّرِيخَ رَأَيْتَهُمْ
مَا بَيْنَ مُلْجِم مُهْرِهِ أَوْ سَافِع
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٩
وتقدم تقرير هذا، وهذا الذي ذكرناه منقول عن أبي عبيدة.
٦٠
الرابع : قال أبو حيان : و " أو " هنا على موضعها لكونها لأحد الشيئين وخبر " إنَّا أَوْ إيَّاكُمْ " هو " لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ " ولا يحتاج إلى تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لفي أحد هذين لقولك :" زَيْدٌ أو عمرو في القصر أو في المسجد " لا يحتاج إلى تقدير حذف إذ معناه أحد هذين في أحد هذين.
وقيل : الخبر محذوف ثم ذكر ما تقدم إلى آخره، وهذا الذي ذكره تفسير معى لا تفسير إعراب.
(والناس) نظروا إلى تفسير الإعراب فاحتاجوا إلى ما ذكرناه.
وذكروا في الهدى كلمة " على " وفي الضلال كلمة " في " لأن المهتدي كأنه مرتَفع مطَّلع فذكره بكلمة " التعالي " والضال منغمس في الظلمة غريق فيها فذكر بكلمة " في ".
قوله :﴿قُلْ لاَ تُسألون عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾ أضاف الإجرام إلى النفس وقال في حقهم :" وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ " ذكر بلفظ العمل لئلا يحصل الإغضاب المانع من الفهم.
قوله :﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنَا﴾ يَوْمَ القِيَامَة " ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ " وهاتان صفتا مبالغة وقرأ عيسى بن عمر " الفاتِحُ " اسم فاعل.
قوله :" أَرْوني " فيها وجهان : أحدهما أنها علمية متعدية قبل النقل إلى اثنين فلما جيء بهمزة النقل تعدت لثلاثةٍ أولها " ياء " المتكلم ثانيها " الموصول "، ثالثها :" شركاء " وعائد الموصول محذوف أي أَلْحَقْتُمُوهُمْ.
والثاني : أنها بصرية متعدية قبل النقل لواحد وبعده لاثنين أولهما : يَاء المتكلم وثانيهما : الموصول و " شركاء " نصب على الحال من عائد الموصول أي بَصِّرُوني المُلْحَقِينَ به حالَ كونهم شركاء قال ابن عطية في هذا الثاني " ولا غناء " له أي لا مَنْفَعَة فيه يعني أن معناه ضعيف.
قال أبو حيان : وقوله :" لا غناء له " ليس بجيد بل
٦١


الصفحة التالية
Icon