قوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةإلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ جملة حالية من " قَرْيَةٍ " وإن كانت نكرة لأنها في سياق النفي.
قوله :" بما أُرْسِلْتُمْ " متعلق بخبر " إنّ " و " به " متعلق بأُرْسِلْتُم، والتقدير : إنا كافورن بالذي أرسلتم.
وإنما قد للاهتمام وحسنه تواخي الفواصل وهذا تسلية لقلب النبي - ﷺ - بأن إيذاء الكفار للأنبياء ليس بدعاً بل ذلك عادة جرت من قبل، وإنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضاً قالوا ذلك القول لأن المُتْرَفين هم الأصل في ذلك القول كقول المتسضعفين للذين استكبروا :" لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنينَ " ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد فقالوا " نَحْنُ أَكْثَرُ أمْوَالاً وَأَوْلاَداً " أي بسبب لزومنا لديننا ولو لم يكن الله راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد " وَمَا نَحْنُ بمُعَذَّبِينَ " أي أن الله أحسن إلينا في الدنيا بالمال فلا يعذبنا.
ثم إن الله تعالى بيَّنَ خطأهم بقوله :﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ يعني أنّ الرزق في الدناي لا يدل سَعَتُه وضيقه على حال المحق والمبطل فكم من موسر شقي ومُعْسِر تَقِيّ فقوله :" وَيَقْدِرُ " أي يضيِّق بدليل مقابلته " يَبْسُطُ " وهذا هو الطباق البَدِيعِيّ وقرأ الأعمش : وَيُقَدِّرُ بالتشديد ثم قال :﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أن قلة الرزق وضيف العيش وكثرة المال وسعة العيش بالمشيئة من غير اختصاص بالفاسق والصالح.
ثم بين فساد استدلالهم بقوله :﴿وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ﴾ يعني إن قولكم نحن أكثر أموالاً وأولاداً فنحن أحسن حالاً
٧٢
عند الله استدلالاً صحيحاً فإن المال لا يقر إلى الله وإنما المفيدُ العملُ الصالح بعد الإيمان وذلك أن المال والولد يَشْغِل عند الله فيُبْعِد عنه فكيف يقرب منه والعمل الصالح إقبال على الله واشتغال بالله ومن توجه إلى الله وصل ومن طلب من الله شيئاً حصل ؟ قوله :﴿بِالَّتِي تُقَرِّبُكُم﴾ صفة للأموال والأولاد، لأن جمع التكسير غير العاقل يعامل معالمة المؤنثة الواحدة، وقال الفراء والزجاج إنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه قالا والتقدير : وَمَا أَمْوَالُكُمْ بالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى وَلاَ أوْلاَدُكُمْ بالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ وهذا لا حاجة إليه أيضاً.
ونقل عن الفراء ما تقدم من أن " التي " صفة للأموال والأولاد معاً وهو الصحيح وجعل الزمخشري " التي " صفة لموصوف محذوف قال :" ويجوز أن يكون هيا لتقوى وهي المقربة عند الله زلفى وحدها أي ليستْ أَمْوَالُكُمْ ولا أوْلاَكُكُمْ بتلك الموصوفة عند الله بالتقريب " قال أبو حيان : ولا حاجة إلى هذا الموصوف.
قال شهاب الدين : والحاجة إليه بالنسبة إلى المعى الذي ذكره داعية، و " زُلْفَى " مصدر مِنْ مَعْنى الأول، إذ التقدير تُقَرِّبُكُمْ قُرْبَى، وعن الضحاك زُلَفاً بفتح اللام وتنوين الكلمة على أنها جمع " زُلْفَى " نحو قُرْبَة وقُرَب، جُمع المَصْدَرُ لاختلاف أنواعه وقال الأخفش :" زُلْفَى " اسم مصدر كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا تَقْريباً.
٧٣


الصفحة التالية
Icon