قَوْلُهُ :﴿إلاَّ مَنْ﴾ فيه أوجه : أحدهما : أنه استثاء منقطعٌ فهو منصوب المحل والمعنى لكن مَنْ آمَن وعَمِلَ صَالِحاً، قال ابن عباس يريد من آمن إيمانه وعمله يقربه منّي.
الثاني : أنه في محل جر بدلاً من الضمير في :" أَمْوَالِكُمْ " قاله الزجاج.
وغلَّطَهُ النَّحَّاس بأنه بدل ضمير من ضمير المخاطب قال : ولو جاز هذا لجاز : رَأَيْتُكَ زَيْداً، وقول أبي إسْحَاقَ هذا هو قول الفارء انتهى.
قال أبو حيان : ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز البدل من ضمير المخاطب والمتكلم إلا أن البدل في الآية لا يصح ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا لو قلت : مَا زَيْدٌ بالَّذِي يَضْرِبُ إلا خالداً لم يجز.
وتخيل الزجاج أن الصلة وإن كانت من حيث المعنى منفية أنه يجوز البدل وليس بجائز إلا أن يصح التفريغ له.
قال شهاب الدين : ومنعه قولك " مَا زَيْدٌ بالَّذِي يَضْرِبُ إلاَّ خَالِداً " فيه نظر لأن النفي إذا كان منسحباً على الجملة أ'طى حُكْمَ ما لو باشر ذلك الشيء ألا ترى أن النفي في قولك :" مَا طَنَنْتُ أحَداً يَفْعَلُ ذَلِكَ إلاَّ زيدٌ " سوغ البدل في زيد من ضمير " يَفْعَلُ " وإن لم يكن النفي متسلطاً عليه وقالوا ولكنه لما كان في حَيِّز النفي صح فيه ذلك فهذا مثله والزمخشري أيضاً تَبعَ الزجاج والفراء في ذلك في حيث المعنى إلا أنه لم يجعله بدلاً بل منصوباً على أصل الاستثناء فقال :" إلاَّ مَنْ آمَنَ " استثناء من " كُمْ " في " نُقَرِّبُ " والمعنى أن الأموال لا تقرب أحداً إلا المؤمن لاذي يُنْقِقُها في سبيل الله والأولاد لا تقرب أحداً إلا من علَّمهم الخَيْرَ وفَقَّهَهُمْ في الدِّين ورشَّحهم للصَّلاح ورد عليه أبو حيان بنحو ما تقدم فقال : لا يجوز :" مَا زَيْدٌ بالَّذِي يَخْرُجُ إلاَّ أَخْوهُ " و " مَا زَيْدٌ بالَّذِي يَضْرِبُ إلاَّ عَمْراً " والجواب عنه ما تقدم وأيضاً فالزمخشري لم يجعله بدلاً بل استثناء صريحاً، ولا يشترط في الاستثناء التفريغ اللفظي
٧٤
بل الإسناد المعنوي ألا ترى أنك تقول : قَامَ الْقَومُ إلاَّ زَيْداً ولو فرغته لفظاً لامتنع لأنه مثبت وهذا الذي ذكره الزمخشري هو الوجه الثالث في المسألة الرابع :" أنَّ " مَنْ آمَنَ " في محلِّ رفع على الابتداء والخبر.
قوله :﴿فَأُوْلَـائِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْف﴾ قال الفراء : هو في موضع رفع تقديره ما هو المقرب إلاَّ مَنْ آمَن، وهذا ليس بجيد وعجيب من الفراء كيف يقوله.
قوله :" فَأولَئِكَ لَهُمَ جَزَاء الضّعْفِ "، قرأ العامة جزاء الضعف مضافاً على أنه مصدر مضاف لمفعلوله، أي أنْ يُجَازِيَهُم الضّعْفَ وقدره الزمخشري مبنياً للمفعول أي يُجْزَوْنَ الضّعفَ ورده أبو حيان بأن الصحيح منعه.
وقرأ قتادة برفعها على إبدال الضّعفِ من " جزاء " وعنه أيضاً وعن يعقوب بنصب جزاء على الحال منوناً والعامل فيها الاستقرار وهذه كقوله :﴿فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَى ﴾ [الكهف : ٨٨] فيمن قرأه بالنصب نصب جزاء في الكهف.
قوله :﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ قرأ حمزة الغُرْفَةِ بالتوحيد على إرادة الجنس ولعدم اللبس لأنه معلوم أن لكل أحد غرفة تخصه وقد أُجْمِعَ على التوحيد في قوله :﴿يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ﴾ [الفرقان : ٧٥] ولأن لفظ الواحد أخف فوضع موضع الجمع مع أمن اللبس والباقون " الغُرُفَاتِ " جمع سلامة وقد أُجْمِعَ على الجمع في قوله :﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً﴾ [العنكبوت : ٥٨] والرسم محتمل للقراءتين.
وقرأ الحسن بضم راد غُرُفات على الإتباع وبعضهم يفتحها
٧٥


الصفحة التالية
Icon