وتقدم تحقيق ذلك أول البقرة وقرأ ابن وثاب الغُرُفَةَ بضم الراء والتوحيد.
فصل والمعنى يضعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشرة إلى سبع مائة لأنه الضعف لا يكون إلا في الحسنة وفي السيئة لا يكون إلا المثل ثم زاد وقال :﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُون﴾ إشارة إلى دوامها وتأبيدها.
ثم بين حال المسيء فقال :﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ أي سعون في إبطال حججنا معاجزين معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتوننا.
وقد تقدم تفسير :" أولئك في العذاب محضرون " وهذا إشارة إلى الدوام أيضاً كقوله :﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ﴾ [الإنقطار : ١٦] ثم قال مرة أخرى :﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر﴾ إشارة إلى أن نعيم الآخرة لا ينفافي نعمة الدنيا بل الصالحون قد يحصل لهم في الدنيا النعم في القطع بحصلو النعم في العُقْبَى ببناء على الوعد قطعاً لقول من يقول : إذا كانت العاجلة والآجلة لهم فالنقد أولى فقال هذا النقد غير مختص بكم فإن كثيراً من الأشقياء مدفوعون وكثيراً من الأتقياء مَمْنُوعُونَ، ولهذا المعنى ذكر هذا الكلام مرتين مرة لبيان أن كثرة أموالهم وأولادهم غير دالةٍ على حسن أحوالهم ومرة لبيان أنه غير مختص بهم كأنه قال وجود القرب لا يدل على الشرف ثم إنْ سَلَّمنا أنه كذلك لكن المؤمنون سيحصل لهم ذلك فإن الله يملكهم دياركم وأموالكم ويدل على ذلك أن الله تعالى لم يذكر أولاً لمن يشاء من عباده بل قال : لمن يشاء.
وقال ثانياً : لمن يشاء من عبادة فالكافر أثره مقطوع وماله إلى زوال وماله إلى الهواء وأما المؤمن فما يُنْفِقْه يُخْلِفْه الله.
قوله :﴿وَمَآ أَنفَقْتُم﴾ يجوز أن تكون ما موصولة في محل رفع بالابتداء والخبر قوله :﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ ودخلت الفاء لشبهه بالشرط، و " مِنْ شَيْءٍ " بيان كذا قيل.
وفيه نظر ؛ لإبهام شيء فأي (تَبين) فيه ؟ ويجوز أن تكون " ما " شرطية فيكون في محل نصب مفعولاً مقدماً و " فَهُوَ يُخْلِفُهُ " جواب الشرط.
٧٦
فصل المعنى : وَمَا أَنْقَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أي يعطي خلقه قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسْرِافٍ ولا تَقْتِير فهْو يُخْلِفُه وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نَفَقَةٍ فهو (ينفقه) ويخلفه على المُنْفِق إما أن يعجَّل له في الدنيا وإما أن يدَّخِرَ له في الآخرة.
" وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " خَيْرُ من يعطي ويرزق، رَوَى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - إن الله قال :" أنْفِقْ أُنْفِقْ عليك " وقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبحُ فِيهِ العِبَادُ إلاَّ وَيَنْزِلُ (فِيهِ) مَلَكَا(ن) فيقولُ أحدهما : اللَّهُمّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ويقول الآخَرُ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً " وإنما جمع الرازقين من حيث الصورة لأن الإنسان يرزق عياله من رزق الله والرازق للكل في الحقيقة إنما هو الله، واعلم أنَّ خير الرازقين يكون أمور أن لا يؤخر في وقت الحاجة وأن لا يَنْقُصَ من قد الحاجة وأن لا ينكده بالحساب وأن لا يُكَدِّره بطلب الثواب والله تعالى كذلك.
فإن قيل : قوله :﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ ينبئ عن كثرة الرّازقين ولا رازق إلاَّ الله.
فالجواب : أن يقال : الله خير الرازقين الذين تظنونهم رازقين وكذلك في قوله تعالى :﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون : ١٤] وأيضاً فإن الصفات منها ما هو لله وللعبد حقيقة كالعلم بأن الله واحد فإن الله يعلم أنه واحد، والعبد يعلم أنه واحدٌ حقيقة ومنها ما يقال للَّهِ حقيقةً وللعبد مجازاً مثل الرزَّاق والخَالِق فإن العبد إذا أعطى غيره شيئاً فالله هو المعطي في الحقيقة ولكن لما وجدت صورة العطاء من العبد سُمّي معطياً وهذا منه.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٧٢


الصفحة التالية
Icon