قوله :﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ﴾ وقد تقدم أنه يقرأ بالنون والياء في الأنعام.
قوله :﴿أَهَـاؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ إياكم منصوب بخبر " كان " قدم لأجل الفواصل والاهتمام.
واستدل بل على جواز تقديم خبر " كان " عليها إذا كان خبرها جملة فإن فيه خلافاً جوزه ابنُ السارج، ومنعه غيره وكذلك اختلفوا في توسطه إذا كان جملة.
قال ابن السِّرِّاج : القياس جوازه لكن لم يسمع.
قال شهاب الدين : قد تقدم في قوله :﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ [الأعراف : ١٣٧] ونحوه أنه يجوز أن يكون من تقديم الخبر وأن لا يكون.
ووجه الدلالة هنا أن تقتديم المعمول مُؤْذِنٌ بتقديم العامل.
وتقدم تحقيق هذا في " هُودٍ " في قوله تعالى :﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ﴾ [هود : ٨] (و) وضع هذه القاعدة.
فصل لما بين أن حال النبي - عليه الصلاة والسلام - كحال من تقدمه من الأنبياء وحال قومه حال من تقدّم من الكفار وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم بين ما يكون عاقبة حالهم فقال :﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً﴾ يعني المكذبين بك " ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ " الذين يدعون أنهم يعبدونهم فإن غاية ما ترتفي إليه منزلتهم أنهم يقولون :
٧٨
نحن نعبد الملائكة والكواكب قال قتادة : هذا استفهام تقرير كقوله تعالى لعيسى ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـاهَيْنِ﴾ [المائدة : ١١٦] فيقول :" (أَ) هَؤُلاَءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ " فتبرأ منهم الملائكة فيقولون :" سُبْحَانَكَ " تنزيهاً لك " أنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ " أي نحن نتولاك ولا نتولاهم يعني كونك ولي بالعبودية أولى وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا فقالوا :" (بَلْ) كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ " أي الشياطين فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن ونحن (كنا) كالقِبْلة لهم.
فإن قيل : فهم كانوا يعبدون الملائكة فما وجه قولهم يعبدون الجن ؟ قيل : أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يُطيعون الشياطين في عبادة الملائكة فقوله :" يعبدون " أي يطيعون الجن ولعبادة هي الطاعة " أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ " أي مصدِّقون الشياطين.
فإن قيل : جميعهم كانوا متابعين للشياطين فما وجه قوله :﴿أكْثَرُهُمْ بِهِمْ﴾ فإنه يدل على أنَّ بَعْضَهُم لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهُمْ ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الملائكة أحتظروا عن (دَعْوى) الإحاطة بهم فقالوا : أكثرهم لأنَّ الَّذِين رأوهم وأطلعوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجنَّ ويؤمنون بهم ولعلَ في لاوجود من لم يُطْلع الله الملائكة عليه من الكفار.
الثاني : هو أن العبادة علم ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا بل يعبدون الجن لاِّطلاعهم على أعمالهم وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطّلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا يطلع على من فيه إلا الله كما قال :﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود : ٥].
ثم بين أن ما كانوا يعبدون لا ينفعهم فقال :﴿فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً﴾.
وهذا الخطاب يحتم أن يكون مع الملائكة لسبق قوله :﴿أَهَـاؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ وعلى هذا يكون تنكيلاً للكافرين حيث بيّن لهم أن معبودهم لا ينفعهم ولا يضر.
ويصحح هذا قوله تعالى :" لا يملكون الشّفاعة إلا لمن ارتضى ".
ولقوله بَعْدَه :﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا﴾ ولو كان المخاطب هم الكفار لقال :
٧٩


الصفحة التالية
Icon