" فَذُوقُوا " ويحتمل أن يكون داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله :﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضِ﴾ أي الملائكة والجن وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيرهم، ويحتمل أن يكون الخطاب والمخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم وعلى هذا فقوله :﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إنما ذكره تأكيداً لبيان حالهم في الظلم.
فإن قيل : قوله " نفعاً " مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضرّ مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك ؟ فالجواب : لما كان العبادة نفع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبَّار، ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم.
فإن قيل :" قَوْلُه هَهُنَا :" الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا " صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته ؟ فالجواب : قيل : لأنهم هناك كانوا مُلْتَبِسٍين بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله :﴿كُلَّمَآ أَرَادُوا ااْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة : ٢٠] فوصف لهم ما لا بسوه وهنا لم يُلاَبِسُوهُ بعد لأنه عقيب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم : هذه النار التي كنتم بها تكذبون.
قوله :﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـاذَا﴾ يعنون محمداً - ﷺ - " إلاَّ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يَصْدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ " فعارضوا الرهانَ بالتقليد " وَقَالُوا مَا هَذَا إلاَّ إفْكٌ مُفْتَرى " يعنون القرآن وقيل : القول بالوحدانية " إفْكٌ مُفْتَرًى " كقوله تعالى في حقهم :﴿أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ [الصفات : ٨٦] وكقولهم للرسول :﴿قَالُوا ااْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ [الأحقاف : ٢٢] وعلى هذا فيكون قوله :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بدلاً وقالوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ؛ هذا إنكار للتوحيد وكان مختصاً بالمشركين، وأما إنكار القرآن والمُعْجِزة فكان متفقاً عليه بين المشركين وأهل الكتاب فقال تعالى :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ﴾ على العموم.
قوله :﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ يعني المشركين " مِنْ كُتُبٍ يَدرسونَها " العامة على
٨٠
التخفيف مضارع " دَرَسَ " مخففاً أي حفظ وأبو حيوة يُدَرِّسُونَها بفتح الدال مشددة وكسر الراء والأصل " يَدْتَرِسُونَها " من الادّارس على الافتعال فأدغم، وعنه أيضاً بضم الياء وفتح الدال وتشديد الراء نم التَّدْريس.
والمعنى يقرأونها وقوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ﴾ أي إلى هؤلاء المحاضرين لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبْلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك، فلا تعارض بينه وبين قوله :﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر : ٢٤] إذ المراد هناك آثار النذير.
ولا شك أن هذا كان موجوداً يذهب النبي وتبقى شريعته، ثم بين أنهم كالذين من قبلهم كَذّبوا مثلَ عادٍ وثمودٍ وغيرهم.
قوله :﴿وَمَا بَلَغُوا﴾ الظاهر أن الضمير في " بلغوا " وفي " آتيناهم " للَّذِين من قبله ليناسق قوله :﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي﴾ يعني أنهم لم يبلغوا في شكر النعمة وجزاء المِنّة " مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ " من النعم والإحسان إليهم.
وقيل : بل ضمير الرفع لقريش والنصب " للذين من قبلهم " وهو قول ابن عباس على معنى أنهم كانوا أموالاً، وقيل : بالعكس على معنى إنا أعطيْنَا قريشاً من الآيات والبراهين ما لم نُعْطِ من قبلهم.
واختلق في المشعار فقيل : هو بمعنى العُشْر بني مِفْعَال من لفظ العُشْر كالمِرْبَاع، ولا ثالث لهما من ألفاظ العدد لا يقال : مِسْدَاس ولا مِخْمَاس، وقيل : هو عُشْرُ العُشْرِ، إلا أن ابن عطية أنكره وقال : ليس بشيء وقال المَاوَرْدِيُّ : المعشار هنا عُشْر العَشِيرِ، والعَشِيرُ هو عُشْرُ العُشْرِ.
٨١


الصفحة التالية
Icon