وقيل : على معنى :" فَلاَ فَوْتَ " أي فلم يفوتوا وأخذوا وقرأ عبد الرحمن مولى هاشم وطلحةُ فَلاَ فَوْتٌ وأَخْذٌ مرفوعين منونين، وأُبَيّ يفتح " فوت "، ورفع " أخذ "، فرفع " فوت " على الابتداء أو على اسم لا الليسية ومن رفع " وأخذ " رفعه بالابتداء والخبر محذوف أي وأَخْذٌ هناك أو على خبر ابتداء مضمر أي وَحالُهُمْ أَخْذٌ.
ويكون من عطف الجمل مثبتةً على منفيةٍ.
قوله :﴿وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ قال الكلبي : من تحت أقدامهم.
وقيل : أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها.
وحيث ما كانوا فهُمْ مِنَ الله قريب لا يفونه.
وقيل : من مكان قريب يعني عذاب الدنيا.
قال الضحاك : هو يوم بَدْر.
وقال ابنُ أبْزَى : خَسْفٌ بالبيداء وجواب " لَوْ تَرَى " محذوف أي لَرَأيْتَ أَمْراً يُعْتَبَرُ بِهِ.
قوله :﴿وَقَالُوا ااْ آمَنَّا بِه﴾ أي عند اليأس.
والضمير في " به " لله أو للرسول أو للقرآن أو للعذاب أو للبعث و " أَنِّي لَهُمْ " أي من أين لهم أي كيف يقدرون على الظَّفَرِ بالمطلوب وذلك لا يكون إلاَّ من الدنيا وهم في الآخرة والدنيا من الآخرة بعيدة.
فإن قيل : فكيف قال في كثير من المواضع : إنَّ الآخِرَةَ من الدنيا قريبة وسمى الله الساعة قريبة فقال :﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر : ١] ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء : ١] ﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى : ١٧].
٩٠
فالجواب : أن الماضي كالأمس الدابر وهو أبعد ما يكون ؛ إذ لا وصولَ إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنين فإنه آتٍ فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيِّها ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه.
قوله :﴿التَّنَاوُش﴾ متبدأ و " أنَّى " خَبَرهُ، أي كيف لهم التناوش و " لَهُم " حال، ويجوز أن يكون " لهم " رافعاً للتناوش لاعتماده على الاستفهام تقديره كيف استقر لهم التناوش ؟ وفيه بعد، والتناوش مهموز في قراءة الأخوين وأبي عمرو، وأبي بكر وبالواو في قراءة غيرهم، فيحتمل أن يكونا مادتين مستقلتين مع اتّحاد معناهما، وقيل : الهمزة عن الواو لانضمامها كوُجُوهٍ وأُجُوه، ووُقّتت وأُقِّتَتْ وإليه ذهب جماعة كثيرةٌ كالزَّجّاج والزَّمخْشَري وابن عطية والحَوْفي وأبي البقاء قال الزجاج : كل واو مضمومة ضمة لازمة فأنت فيها بالخيار، وتابعه الباقون قريباً من عبارته.
وردَّ أبو حيانَ هذا الإطلاق وقيده بأنه لا بدّ أن تكون الواو غير مدغم فيها تحرزاً من التعوذ وأن تكون غير مصححة في الفعل فإنها متى صحت في الفعل لم تبدل همزة نحو : تَرَهُوَكَ تَرَهْوُكاً، وتَعَاوَنَ تَعَاوُناً.
وهذا القيد الآخر يبطل قولهم لأنها صحت في :" تَنَاوَشَ يَتَنَاوَشُ "، ومتى سلم له هذان القيدان أو الأخير منهما ثَبَتَ رده.
والتَّنَاوُشُ الرجوعُ، قال : ٤١٤٣ - تَمَنَّى أَنْ تَئُوبَ إلَيَّ مَيٌّ
وَلَيْسَ إلى تَنَاوُشِهَا سَبِيلُ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
٩١
أي إلى رجوعها.
وقيل : هو التناول يقال : نَاشَ كذا أي تَنَاوَلَهُ ومنه تَنَاوشَ القَوْمُ بالسِّلاح كقوله : ٤١٤٤ - ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أبِيهِ تَنُوشُهُ
لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ
وقال آخر : ٤١٤٥ - وهي تَنُوشُ الْحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلاَ
نَوْشاً به تقطَع أجْوَازَ الفَلاَ
وفرق بعضهم بين المهموز وغيره فجعل المهموز بمعنى التأخير.
وقال الفراء : من نَأَشْتُ أي تَأَخَّرْتُ.
وأنشد : ٤١٤٦ - تَمَنَّى نَئِيشاً أَنْ يَكُونَ مُطَاعُنَا
وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ
وقال آخر : ٤١٤٧ - قَعَدْتَ زَمَاناً عَنْ طِلاَبِكَ لْلعُلاَ
وَجِئْتَ نَئِيشاً بَعَْ مَا فَاتَكَ الخَيْرُ
وقال الفراء أيضاً : هما متقاربان يعني الهمزة وتركها مثل ذِمْتُ الشيء وذَأَمْتُهُ أي عِبْتُهُ وانْتَاشَ انْتَاشَ انِتْيَاشاً كَتَنَاوَشَ وقال :
٤١٤٨ - كَانَتْ تَنُوشُ العنق انْتِيَاشا
٩٢


الصفحة التالية
Icon