قوله :﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ لما قال تعالى :﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر : ٥] يمنع العاقل من الاغترار وقال :﴿الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا﴾ ولا تمسعوا قوله.
قوله :﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا﴾ أي اعملوا ما يسوؤه وهو العمل الصالح.
ثم قال :﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ﴾ أي أشياعه ﴿لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (و) في الآية أشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فإما أنْ يُعَادِيَه مجازاةً له وإما أن يُرْضيه فلما قال تعالى :﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ﴾ أمرهم بالعداوة وأَشَارَ إلى أن الطريق ليس إلا هذا.
وأما الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إنْ أَرْضَيْتمُوهُ واتَّبعتُمُوهُ فهو لا يؤدِّيكم إلا إلى السعير.
واعلم أن من علم أن له عدواً لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يق له ويصبر معه على
١٠٣
قتاله إلى يظفر به وكذلك الشيطان لا يقدر الإنسان (أن) يهرب منه فإنه يقف معه ولا يزال ثابتاً على الجادّة والاتِّكال على العبداة ثم بين تعالى ما حال حزبه وحال حزب الله وهو قوله :﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يجوز رفعه ونصبه وجره فرفعه من وجهين : أظهرهما : أن يكون متبدأ والجملة بعده خبره.
والأحسن أن يكون " لهم " هو الخبر و " عَذَابٌ " فاعله.
الثاني : أنه بدل من واو " لِيَكُونُوا " ونصبه من أوجه : البدل من " حِزْبَهُ " أو النعت له أو إضمار فلع " أَذُمُّ " ونحوه، وجره من وجهين : النعت أو البدلية من " أصْحَابِ السًّعِيرِ " وأحسن الوجوه الأول المطابقة التقسيم واللام في " لِيَكُونُوا " إما للعلة على المجاز من إقامة السَّبَب مَقَم المُسَبب وإما الصَّيْرُورة ثم قال :﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ وهذا حال حزب الشيطان ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ فالإيمان في مقابلته المغفرة فلا يُؤَبَّد مؤمنٌ في النار والعمل الصالح في مقابلته " الأجر الكبير ".
قوله :﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءَ عَمَلِه﴾ " مَنْ " موصول مبتدأ وما بعده صلته والخبر محذوف فقدره الكسائِيُّ " تذهب نفسك عليهم حَسَرَاتٍ " لدلالة :" فَلاَ تَذْهَب " عليه وقدره الزجاج :" وأَضَلَّهُ اللَّهُ كَمَنْ هَدَاهُ " وقدره غيرهما كمن لم يُزَيَّنْ له.
وهو
١٠٤
أحسن، لموافقته لفظاً ومعنى ونظيره " أفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ (هُوَ أعْمَى) " ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ [الرعد : ١٩] والعامة على " زُيِّنَ " مبنياً للمفعول " سُوءُ " رفع وعُبَيْدُ بْنُ عَمَيْر زَيَّنَ مبنياً للفاعل وهو الله " سُوءَ " بالنصب به.
وعنه " أَسْوأَ " بصيغة التفضيل منصوباً وطلحةُ " أَمَنْ " بغير فاء قال أبو الفضل : الهمزة للاستخبار بمعنى العامة للتقرير ويجوز أن تكون بمعنى حرف النداء فحذف التَّمَامُ كما حذف من المشهور الجواب، يعني أنه يجوز أن تكون بمعنى حرف النداء فحذف التَّمَامُ كما حذف من المشهور الجواب، يعني أنه يجوز في هذه القراءة أن تكون الهمزة للنداء وحذف التّمام أي ما نُودي لأجله كأنه قيل : يَا مَنْ زينَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ارْجِعء إلى الله وتب إليه، وقوله :" كما حذِف الجواب " يعني به خبرَ المبتدأ الذي تَقدَّم تقريره.
فل قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة وقال سعيد بن جبير : نزلت في أصحاب الأهْوَاء والبِدَع فقال قتادة : منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم فأما أهل الكبائر فليسوا منهم لأنهم لا يستحلون الكبائر.
ومعنى زين له سوء عمله شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبح عمله فرآه حسناً زين له الشيطان ذلك بالوسواس.
وفي الآية حذف مجازه : أفمن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فرأى الباطل حَقًّا كَمَنْ هداه اله فرأى الحق حقاً والباطل باطلاً ؟ " فإنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
١٠٥


الصفحة التالية
Icon