قوله :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ لما قال : إن أنت إلا نذير بين أنه ليس نذيراً من تلقاء نفسه إنما هو نذير بإذن الله تعالى وإرساله.
قوله :﴿بِالْحَقِّ﴾ يجوز فيه أوجه : أحدهما : أنه حال من الفاعل أيْ أَرْسَلْنَاكَ مُحِقِّين.
أو من المفعول أي مُحِقًّا أو نعت لمصدر محذوف أي إرسالاً ملتبساً بالحق.
و متعلقٌ بِبَشِيرٍ ونذير، قال الزمخشري : بشيراً بالوعد ونذيراً بالوعيد الحق.
قال أبو حيان : ولا يمكن أن يتعلق " بالحق " هذا ببشيراً ونذيراً معاً بل ينبغي أن
١٢٦
يتأول كلامه على أنه أراد أَنَّ ثَمَّ محذوفاً والتقدير : بشيراً بالوَعْدِ الحَقِّ ونذيراً بالوَعِيدِ الحَقِّ، قال شهاب الدين : قد صرح الرجلُ بهذا.
قوله :﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ﴾ أي وما مِنْ أُمَّة فيما مضى.
وقوله :﴿إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ ومعنى " خَلاَ " أي سلف فيها نذير نبي منذر.
وحذف من هذا ما أثبته في الأول، إذ التقدير : إلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ.
قوله :﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ﴾ أي الكتب " وبالْكِتَابِ المُنِير " أي الواضح.
وكرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد.
وقيل : البينات المعجزات، والزبر : هي الكتب الموافقة للحكمة الإليهة وهي المحتملة للنسخ.
وهذا تسلية للنبي - ﷺ - حيث يعلم أن غيره كان مثلَه مُحْتَمِلاً لأذى القوم وأن غيره أيضاً أتاهم بمثل ذلك فكذبوه وآذَوهُ وصبروا على تكذيبهم " ثُمَّ أَخذتُ الِّذِين كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِير " ؟ وهذا سؤال تقرير فإنهم علموا شدة إ، كار الله عليهم واستئصالهم.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٢٦
قوله :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ قيل : الخطاب للنبي - ﷺ - وفيه حمكة وهي أن اله تعالى لما ذكر الدلائل ولم ينتفعوا قطع الكلام منهم والنعت إلى غيرهم كما أن السيد إذا نصح بعض عبيده ولم ينزجر يقول لغيره : اسمع ولا تكمن مثل هذا.
ويكرر معه ما ذكره للأول ويكون فيه إشْعار بأنه الأول فيه نقيصه لا يصلح للخطاب فينبّه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة وأيضاً فلا يخرج إلى كلام أجنبيِّ عن الأول بل يأتي بما يقاربه لئلا يسمع الأول كلاماً آخر فيترك التفكر فيهما كان من النصيحة.
قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ هذا التفات من الغيبة إلى التكلم وإنما كان كذلك لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء و " مُخْتلِفاً " نعت " لَثَمَرَاتٍ " و " ألوانها " فاعل به ولولا لأنَّث " مختلفاً " ولكنه لما أسند إلى جميع تكسير غير عاقل جاز تذكيره ولو أنت فقيل مختلفة كما يقول اختلفتْ ألوانُها لجاز.
وبه قرأ زيدُ بن علي.
قوله :﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ﴾ العامة على ضم الجيم وفتح الدال جمع " جُدَّةٍ " وهي الطريقة قال ابن بحر : قِطَعٌ من قولك : جَدَدْتُ الشَّيْءَ قَطَعْتُهُ وقال أبو الفضل الرازي : هي ما يخالق من الطرائق لون ما يليها ومنه جُدّة الحمار للخط الذي في ظهره وقرأ الزُّهْرِيُّ جُدُد بضم الجيم والدال جمع جَدِيدَةٍ يقال : جَدِيدَة وجُدُد وجَدَائِدُ، قال أبو ذؤيب :
١٢٨
٤١٥٨ -........................
جَوْنُ السَّرْاةِ لَهُ جَدَائِدُ أَرْبَعُ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٢٨
نحو : سِفِينةٍ وسُفُنٍ وسَفَائِنَ.
وقال أبو الفضل : جمع جديد بمعنى : آثار جديدة واضحة الألوان وعنه أيضاً جَدَدٌ بفتحهما، ورد أبو حاتم هذه القراءة من حيث الأثَرِ والمعنى وقد صححها غيره وقال : الجَدد الطريق الواضح البيِّن، إلا نه وضع المفرد موضع الجمع إذ المراد الطرائق والخطوط.
قوله :﴿مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ مختلف صفة " لجُدَد " أيضاً، " ألوانها " فاعل به كما تقدم في نظيره ولا جائز أن يكون " مُخْتَلِفٌ " خبراً مقدماً و " ألوانها " مبتدأ مؤخر والجملة صفة ؛ إذ كان يجب أن يقال مختلفة لِتَحَمُّلِهَا ضمير المبتدأ وقوله :﴿أَلْوَانُهَا﴾ يحتمل معنيين : أحدهما : أن البياض والحمرة يتفاوتان بالشدة والضعف فرُبَّ أبْيَضَ أشدَّ من أبْيَضَ وأحْمَرَ أشدَّ من أحْمَرَ فنفيس البياض مختلف وكذلك الحمرة فلذلك جمع ألوانها فيكون من باب المُشْكِل.
والثاني : أن الجُدَد كلها على لونين بياض وحرمة فالبياض والحرمة وإن كان لونين إلا أنهما جمعا باعتبار مَحَالِّهِمَا.
قوله :﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه معطوف على " حُمْرٌ " عطفُ ذِي لَوْنٍ على ذِي لَوْنٍ.
١٢٩


الصفحة التالية
Icon