السموات لقيام الساعة حكماً.
ويحتمل أن يقال : إن ذلك من باب التسليم وإثبات المطلوب كأنه تعالى قال : شُرَكَاؤُكم مَا خَلَقُوا من الأرض شيئاً ولا من السماء جزءاً لا قدرة لهم على الشفاعة فلا عِبَادة لهم وهَبْ أنهم فعلوا شيئاً من الأشياء فهل يقدرون على إمْسَاكِ السموات والأرض ولا يمكنهم القول بأنهم يَقْدِرُون لأنهم ما كانوا يقولون ذلك كما قال تعالى عنهم :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان : ٢٥] ويؤيد هذا قوله :﴿وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ فإذن تبين أن لا معبودّ إلاَّ الله من حيث إن غيره لم يخلق شيئاً من الأشياء وإن قال كافرٌ بأن غيره خلق فما خلق مثل ما خلق فلا شريك.
قوله :﴿أَن تَزُولاَ﴾ يجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي كَرَاهَةَ أَنْ تَزُولاَ وقيل : لئلا تزولا ويجوز أن يكون معفولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي يمنعهما من أن تزولا كذا قدره أبو إسحاق ويجو أن يكون مفعولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي يمنعهما من أن تزولا.
كذا قدره أبو إسحاق ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي يمنع زَوَالَهُمَا.
قوله :﴿إِنْ أَمْسَكَهُمَا﴾ جواب القسم الموطأ له بلام القسم وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم ولذلك كان فعل الشرط ماضياً.
وقول الزمخشري : إنه سدّ مسد الجوابين يعني أنه دال على جواب الشرط.
قال أبو حيان ؛ وإن أُخذ كلامه على ظاهر لم يصح لأنه لو سد مسدهما لكان له موضع من الإعراب من حيث إنه سد مسدّ جواب الشرط ولا موضع له من حيث إنه سد مسد جواب القسم، والشيء الواحد لا يكون معمولاً غير معمول و " مِنْ أَحَدٍ " من مزيدة لتأكيد الاستغراق و " مِنْ بَعْدِهِ " من لابتداء الغاية والمعنى أَحَدٌ سواه " إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غفوراً "، " حليماً " حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم " غفوراً " لمن تاب ويرحمه وإن إستحق العِقَابَ.
١٥٣
فإن قيل : ما معنى ذكر الحليم هَهُنَا ؟ قيل : لأن السموات والأرض همت بما همت من عقوبة الكفار فأمسكهما الله - عزّ وجلّ - عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعاجلهم بالعقُوبة.
قوله :﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ﴾ يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قَالُوا لَعَنَ الل‍َّهُ اليهودَ والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم وأقسموا بالله وقالوا :" لو أتانا رسول لَنَكُونَنَّ أَهْدَى " ديناً منهم وذلك قبل مبعث النبي - ﷺ - فلما بعث محمد كذبوه فأنزل الله - عزّ وجلّ - " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ " رسول " لَيكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدى الأمم " يعني اليهود والنصارى وقيل : المعنى أهدى مما نحن عليه.
وعلى هذا فقوله :﴿مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ﴾ للتبيين كما يقال : زَيْدٌ مِنَ المسلمين، ويؤيده قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي صاروا أضل مما كانوا يقولون : نكون أهدى وقيل : المراد أهدى من إحدى الأمم كقولك : زَيْدٌ أَوْلَى مِنْ عَمْرو.
وقيل : المراد بإحدى الأمم العموم أي إن إحْدَى الأمم يفرض واعلم أنه لما بين إنكارهم للتوحيد من تكذيبهم للرسول ومبالغتهم فيه يحث كانوا يقسمون على أنهم لا يكذبون الرسل إذا تبين لهم كونهم رسلاً وقالوا إنما نكذب محمداً - عليه (الصلاة و) السلام - لكونه كاذباً ولو تبني لنا كونُه رسولاً لآمنَّا كما قال تعالى :﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام : ١٠٩] وهذا مبالغة في التكذيب.
قوله :﴿لَّيَكُونُنّ﴾ جواب القسم المقدر والكلام فيه كما تقدم وقوله :﴿لَئِن جَآءَهُم﴾ حكاية لمعنى كلامهم لا للفظه إذ لو كان كذلك لكان التركيب لَئِنْ جَاءَنَا لَنَكُونَنَّ.
قوله :﴿مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ﴾ أي من الأمة التي يقال فيها : هي إحدى الأمم تفضيلاً لها كقولهم : هو إحْدَ (ى) الأَحَدَيْنِ قالَ : ٤١٦٥ - حَتَّى اسْتَثَارُوا بِيَ إحْدى الإحَدِ
لَيْثاً هِزَبْراً في سِلاَح مُعْتَدِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٥٠
قوله :" مَا زَادَهُمْ " جواب " لَمَّا " وفيه دليل على أنها حرف لا ظرف إذا لا يعملُ ما
١٥٤


الصفحة التالية
Icon