بعد " ما " النافية فميا قبلها، وتقدمت له نظائر وإسناد الزيادة للنذير مجاز لأنه سبب في ذلك كقوله :﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة : ١٢٥] فصل معنى جاءهم أي صح لهم مجيئة بالمعجزة وهو محمد - ﷺ - " مَا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً " أي ما زادهم بمجيئة إلا تباعداً عن الهدى.
قوله :﴿اسْتِكْباراً﴾ يجوز أن يكون مفعولاً له أي لأجل الاستكبار وأن يكون بدلاً من " نُفُوراً " وأن يكون حالاً أي كونهم مستكبرين قال الأخفش.
قوله :" ومكر السيّء " فيه وجهان : أظهرهما : أنه عطف على " استكباراً " والثاني : أنه عطف على " نُفُوراً " وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته في الأصل إذ الأصل والمَكْر والسيِّئ وقرأ العامَّةُ بخفض همزة " السيّئ " وحمزة والأعمش بسكونها وصلاً وقد تجرأت النحاة وغيرهم على هذه القراءة ونسبوها لِلِّحْنِ
١٥٥
ونزهوا الأعمش من أن يكون قرأ بها.
قالوا : وإنما وقف مسكناً فظُنَّ أنه واصل فغلط عليه.
وقد احتج لها قومٌ بأنه إجراء الوصل مُجْرى الوقف أو أجري المنفصل مُجْرى المتصل وحسَّنة كون الكسرة على حرف ثقيل بعد ياء مشددة مكسورة وقد تقدَّمَ أَنَّ أبا عمرو يقرأ :" إلى بارئْكُمْ " " عند بارِئْكُمْ " بسكون الهمزة.
فهذا أولى لزيادة الثقل هنا.
وقد تقدم هُنا (كَ) أمثلة وشواهد، وروي عن ابن كثير " ومَكْرَ السّأي " بهمزة ساكنة بعد السين ثم ياء مكسورة (و) خرجت على أنها مقلوبة من السَّيْء، والسَّيْءُ مخفف (من السيّء) كالمَيْتِ من الميِّت قال الحَمَاسِيُّ : ٤١٦٦ - وَلاَ يَجْزُونَ من حَسَنٍ بسَيْءٍ
ولا يَجْزُونَ مِنْ غِلَظٍ بِلِينِ
وقد كثر في قراءة القلب نحو ضِيَاءٍ، وتَأيَسُوا ولا يَأيَسُ، كما تقدم تحقيقه وقرأ عبد الله :" وَمَكْراً سَيِّئاً " بالتنكير وهو موافق لما قبله وقرئ : ولا يُحِيقُ بضم
١٥٦
الياء المَكْرَ السَّيِّئَ بالنصب على أن الفاعل ضمير الله تعالى ؛ أي لا يُحِيطُ اللَّهُ الْمَكْرَ السَّيِّئَ إلاَّ بأهله.
فصل المراد بالمكر السيّء أي القبيح أضيف المرك إلى صفته قال الكلبي : هو إجتماعهم على الشرك وقيل النبي - ﷺ - وقال ابن الخطيب : هذا من إضافته الجنس إلى نوعه كما يقال : عِلْمُ الفِقْهِ وحِرْفَةُ الحِدَادَةِ ومعناه : ومكروا مكراً سيئاً ثم عُرِّف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام وأضيف إلى السيّئ لكون السر فيه أبين الأمور.
ويحتمل أن يقال : بأن المكر استعمل استعمال العمل كما ذكرنا في قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [فاطر : ١٠] أي يعملون السيئات.
قوله :" ولا يحيق المكر السيّئ " أي لا يحل ولا يحيط، وقوله :" يَحِيقُ " ينبئ عن الإحاضة التي هي فوق اللحوق.
فإن قيل : كثيراً ما نرى الماكر يمكُر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك.
فالجواب من جوه : أحدهما : أن يكون المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي - ﷺ - من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم حيث قتلوه يوم بدر وغيره.
وثانيها : أن نقول : المكرُ عام وهو الأصح، فإن النبي - عليه (الصلاة و) السلام - نهى عن المكر وأخبر بقوله :" لا تَمْكُرُوا وَلاَ تُعِينُوا مَاكِراً فَإنَّ اللَّهِ يَقُولُ : وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهْلِهِ " وعلى هذا (فذلك) الرجل الماكر يكون أهلاً فلا يرد نفضاً.
وثالثها : أن الأعمال بعواقبها ومن مكر غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك كمثل راحة الكافر ومشقَة المسلم في الدنيا ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى :﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ﴾ يعني إن كان لمكرهم في الحال رواجٌ فالعاقبة للتقوى والأمور بخَوَاتِيمها.
١٥٧


الصفحة التالية
Icon