سورة يس
مكية وهي ثلاث وثمانون آية، وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة، وثلاثة آلاف حرف.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٦١
قوله :﴿يسا﴾ بسكون النون.
وأدغم النون في الواو بعدها ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص وقالون وورش بخلاف عنه.
وكذلك النون من " نون والقلم " وأظهرهما الباقون فمن أدغم فاللخفّة، ولأنه لما وصل والنفي متقاربان من كلمتين أولهما ساكن وجب الإدغام كالمِثْلَيْن.
ومن أظهر فاللمبالغة في تفكيك هذه الحروف بعضها من بعض، لأنه بنية الوقف وهذا أُجْرِيَ على القياس في لحروف المقطعة وكذلك التقى فيها الساكنان وصلاً ونقل إليهما حركة همزة الوصل على رأي نحو " الم.
الله " كما تقدم تقريره.
(وأمال الياء من " يس " الأخَوَانِ، وأبُو بكرٍ ؛ لأنها اسم من الأسماء كما تقدم تقريره) أَوَّلَ البقرة.
١٦٢
قال الفَارسيُّ : وإذا أمالوا " ياء " وهي حرف نداء فَلأَنْ يُمِيلُوا " يا " من " يس " أَجْدَرُ وقرأ عيسى وابن أبي إسْحَاقَ بفتح النون إمَّا على البناء على الفتح تخفيفاً كـ " أَيْنَ وكَيْفَ " وإما على أنه مفعول بـ " اتْلُ " وإما على أنه مجرور بحرف القسم، وهو على الوجهين غير منصرف للعملية والتأنيث ويجوز أن يكون منصوباً على إسْقاطِ حرف القسم كقوله : ٤١٦٧ -......................
أمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ
وقرأ الكلبي بضم النون، فقيل : على أنها خبرُ مبْتَدأ مُضْمَر، أي هذه يس ومُنِعَتْ من الصرف ؛ لما تقدم.
وقيل : بل هي حركة بناء كـ " حَيْثُ " فيجوز أن (يكون) خبراً كما تقدم وأن يكون مقسماً بها نحو :" عَهْدَ اللَّهِ لأَفْعَلَنَّ ".
وقيل : لأنها منادى فبنيت على الضم، ولهذا فسَّرها الكلي القارئ لها بـ " يَا إنْسَانُ " قال : وهي لغة طَيِّئ قال الزمخشري : إن صح مناه فوجهه أن يكون أصله يا أُنَيْسِينُ فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما قولا في القسم :" مُ اللَّهِ " في أَيْمُنُ اللَّهِ.
قال أبو حيان : الذي نقل عن العرب في تصغير إنسان أُنَيْسَان بياء بعدها ألف فدل أن أصله أُنْسِيَان ؛ لأن التصغير يرد الأشياءَ إلى أصولها، ولا نعلم أنهم قالوا في تصيغره : أُنَيْسِين.
وعلى تقديره أنه يصغر كذلك فلا يجوز ذلك إلا أنْ يُبْنَى على الضم لأنه
١٦٣
منادى مُقْبَلٌ عليه، ومع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ويمتنع من ذلك في حق النُّبُوَّةِ.
قال شهاب الدين : أما الاعتراض الأخير فصحيح نصوا على أن التصغير لا يدخل في الأسماء المعظمة شرعاً، ولذلك يحكى أن ابْن قُبَيْبَةً (لمَّا قال) في المهَيْمِن إنه مصغر من " مُؤْمن " والأصل : مُؤَيْمِنٌ فأبدلت الهمزةُ هاءً قيل له : هذا يَقْرُبُ من الكفر فلْيَتَّقِ اللَّهَ قَائِلُه.
وتقدمت هذه الحكايات في المائدة وما قيل فيها.
وقد تقدم للزمخشري في " طه " ما يقرب من هذا البحث وتقدم كلام الشيخ معه.
وقرأ ابْن أَبِي إسْحَاقَ أيضاً وأبو السَّمَّا يس بكسر النون، وذلك على أصل التقاء الساكنين ولا يجوز أن يكون حركة إعراب " وَالقُرْآنِ " إما قسم متسأنف إن لم تجعل ما تقدم قسماً وإما عطف على ما قبله إن كان مقسماً به وقد تقدم كلام عن الخليل في ذلك أوائلَ البقرة فاعتبرْهُ هنا فإنَّه حسنٌ جدَّا.
١٦٤
فصل قد تقدمت في سورة العنكبوت ذكر حروف التهجي وأن كل سورة بدأ الله فيها يحروف التهجي كان في أوائله الذكر أو الكتاب أو القرآن.
ولنذكر هَهُنا أن في ذكر الحروف أوائل السور أموراً تدل على أنها غير خالية عن الحكمة لكن علم الإنسان لا يصل إليها.
والذي يدل على أن فيها حكمة من حيث الجملة هو أن الله تعالى ذلك من الحروف نصفها وهي أربعة عشر حرفاً وهي نصفُ ثمانيةٍ وعشرينَ حرفاً هي جميع الحروف التي في لسان العرب على قولنا : الهمزة ألف متحركة.
ثم إنه تعالى قسم الحروف ثلاثَة أقسام تسعةَ أحرف من الألف إلى الذال والتسعة الأخيرة من الفاء إلى الياء وعشرةً في الوسط من الراء إلى الغَيْن، وذكر من القسم الأول حرفين الألفَ والحاء وترك سبعةً ولم يترك فن القسم الأول من حروف الحلق والصدر إلا واحداً لم يذكره وهو الخاء ولم يذكر من القسم الأخير من حروف الشَّفَةِ إلا واحداً لم يتركه وهو الميم والعشر الأواسط ذكرمنه حرفاً وترك حرفاً، فترك الزاي وذكر الراء وذكر السين وترك الشِّين، وذكر الصاد وترك الضاد، وذكر الطاء وترك الظّاء وذكر العين وترك الغيْن.
ولي هذا أمراً يقع اتفاقاً بل هو ترتيب مقصود وهو لحكمة لكنها غير معلومة وهب أن واحداً يدعي فيه شيئاً فماذا يقول في كون بعض السور مفتتحة بحرف كسُورة " ن " و " ق " و " ص " وبعضها بحرفين كسورة " حم " و " يس " و " طه " وبعضها بثلاثة أحرف كسورة " الم " و " طسم " و " الر " وبعضها بأربعة أحرف كسروة " المر " و " المص " وبعضها بخمسة كسورة " حمعسق " و " كهيعص " وهب أنَّ قائلاً يقول : إن هذا إشارة بأن الكلام إما حرف، وإما فعل، وإما اسمٌ، والحرف كثيراً ما جاء على حرف كواوِ العطف وفاء العقيب، وهمزة الاستفهام، وكاف التشبيه، وياء الإلصاق وغيرها، وجاء على حرفين كمِنْ للتبعيض و " أَوْ " للتخيير، و " أم " للاستفهام المتوسط، وإن للشرط وغيرها.
والفعل والاسم والحرف جاء على ثلاثة أحرف كإلى وعلى في الحرف وإلى وعَلَى في الاسم وأَلا يألو وعَلاَ يعلو في الفعل، والاسم والفعل جاءا على أربعة أحرف، والاسم خاصة جاء على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة كـ " عِجْل " وسنجل
١٦٥