وجرَحْل فما جاء في القرآن إشارة إلى أن تركيب العربية من هذه الحروف على هذه الوجوه فماذا يقول هذا القائل في تخصيص بعض السور بالحرف الواحد، والبعض بأكثر فلا يعلم ما السِّرُّ إلا الله من أعْلَمَهُ الله به وإذا علم هذا العبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جاريحة، وكل واحد منها قسمان : قمس عُقِل معناه وحقيقته وقسم لم يُعْلَمْ.
أما القلبية مع أنها عن الشك والجهل ففيها ما لم يعلم دليله عقلاً وإنما وجب الإيمَانُ به والاعتقاد سمعاً كالصّراط الذي هو أرق من الشعر وأحدّ من السيف، ويمر عليه المؤمن كالبَرْق الخاطبف، والميزان الذي تزن به الأعمال الذي لا ثقل بها في نظر الناظر وكيفية الجنة والنار فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم (و) مقطوع به بالمسع ومنها ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعمل ما فيه من الفائدة لا يكون الإتيان إلا لمحض العبادة بخلاف ما لو علم الفائدة فربما يأتي بها لفائدة وإن لم يؤمن كما لو قال السيد لعبده : انقُل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في لانقل فنقها ولو قال انقلها فإن تحتها كنزاً هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمَر وإذا علم ها فكذلك في العبادات الِّسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهيّ.
فإذا قال : حم، يس، طس علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالاً لما أمر به.

فصل قال ابن عباس : يس قسم، ووري عنه أن معناه يا إنسان بلغة طيئ.


قيل : لأن تصغير إنسان أُنَيْسِين كما تقدم عن الزمخشري فكأنه حذف الصدر منه وأخذ العجز وقال : ياسين أي أُنَيْسِينُ.
قال أكثر المفسرين عين محمداً - ﷺ - قال الحسن وسعيد بن جبير وجماعة.
وقال أبو (العالية : يا رَجُلُ.
وقال أبو بكر الوراق : يا سيِّد البشر وقوله :﴿وَالْقُرْآنِ
١٦٦
الْحَكِيمِ﴾
أي ذي) الحكمة كـ ﴿فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٢١] أي ذات رضا، أو أنه ناطق بالحكمة وهو كالحيِّ المتكلم.
قوله :﴿إنَّكَ﴾ و ﴿عَلَى صِرَاط﴾ يجوز أن يكون متعلقاً بـ " المُرْسَلِين " يقول : أَرْسَلْتُ عليه، كما قال تعالى :﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً﴾ [الفيل : ٣] وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكنِّ في " لَمِنَ المُرْسَلِين " لوقوعه خبراً وأن يكون حالاً من " المُرْسَلِينَ " وأن يكون خبراً ثانياً لـ " إنَّكَ ".

فصل أقسم بالقرآن على أن محمداً من المرسلين.


وهو رد على الكفار، حيث قولوا :(لَسْتَ مُرْسَلاً).
فإن قيل : المطلب ثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقْسَام ؟ !.
فالجواب من وجوه : الأول : إن العرب كانوا يتقون الإيمان الفادرة وكانوا يقولون بأن الأيْمَان الفاجرة توجب خراب العالم وصحح النبي - عليه الصلاة والسلام - ذلك بقوله :" اليَمينُ الكَاذِبَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاَقِعَ " ثم إنهم كانوا يقولون : إن النبي عليه - (الصلاة و( السلام - يصيبه عذاب آلهتهم، وهي الكواكب والنبي عليه (الصلاة و) السلام يحلق بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرْفَعَ شَأْناً وأمْنَعَ مَكَاناً، فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
الثاني : أن المُتَنَاظِرَ (يْنِ) إذا وقع بينهما كلام، وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب : إنك قدرت هذا بقوة جدالك، وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة، وعجزت
١٦٧


الصفحة التالية
Icon