عن شيء فصار ما إليه توجُّهُهُمْ ما بين أيديهم فجعل الله السد هناك فمنعه من السوك فكيمفما توجه الكافر يجعل الله بين أيديه سداً وأيضاً (فإنَّا) لما بينا أن جعل السد سبباً لاستتار بصره فكان السد ملتزقاً به وهو ملتزق بالسدين، فلا قدره له على الحركة يَمْنَةً ولا يَسْرَةً، فلا حاجة إلى السد عن اليمين وعن الشِّمال.
وقوله :﴿فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ أي لا يبصرون شئياً، أو لا يبصرون سبيلَ الحق ؛ لأن الكافر مَصْدُورٌ عَنْ سبيل الهدى.
قوله :﴿وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ تقدم الكلام عليه أول البقرة، بين أن الإنذار لا نيفعهم مع ما فعل الله بهم ن الغُلِّ والسدِّ والإغشاء والإعماء بقوله :﴿أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ﴾ أي الإنذارُ وعَدَمُهُ سيَّان بالنسبة إلى إيمانهم.
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخشِيَ الرَّحْمـانَ بِالْغَيْب﴾ قال من قبل :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً﴾ [يس : ٦] وذلك يقتضي الإنذار العام وقال هنا :" إنَّما تنذر " وهو يقتضي التخصيص، فكيف الجمع بينهما ؟ ‍! وطريقة من وجوه : الأول : أن قوله :" لتنذر " أي (كَيْفَ) ما كان سواء كان مفيداً أو لم يكن.
وقوله :﴿إِنَّما تُنْذِرُ﴾ أي الإنذار المفيد لا يكون إلا بالنسبة لمن يتبع الذِّكْرَ وَيَخْشَى.
الثاني :(هو) أنّ الله تعالى لما بين أن الإرسال أو الإنزال للإنذار وذكر (أن) الإنذار وعدمه سيان بالنسبة إلأى أهل العناد قال نبيه : ليس إنذارك غيرَ مفيد من جمع الوجوه، فأنِذرْ على سبل العموم وإنما يُنْذَرُ بذلك الإنذارِ العَام من يتبع الذكر كأنه يقول : يا محمد أنذر بإنذارك وتَتَبَّعْ بذكرك.
الثالث : أن يقول : لتنذر أولاً فإذا أنذرت وبالغت (وبلغت) واستهزأ البعض وتولى واستكبر فبعد ذلك إنما تُنْذِرُ الِّذِينَ اتَّبَعُوك والمراد بالذكر : القرآن لتعريف الذكر الألف واللام.
وقد تقدم ذرك القرآن في قوله تعالى :﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس : ٢] وقيل :
١٧٦
ما في القرآن من الآيات لقوله :﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص : ١] فما جعل القرآن نفس الذكر.
والمعنى إنما تُنْذِرُ العلماءَ الِّذِين يخشون ربهم.
وقوله :﴿وَخشِيَ الرَّحْمـان﴾ أي عمل صالحاً لقوله :﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ وهذا جزاء العمل كقوله :﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحج : ٥٠] والمراد بالغيب : ما غاب وهو أحوال يوم القيامة.
وقيل الوَحْدانية.
وقوله :﴿فَبَشِّره﴾ إشارة إلى الرسالة، فإنَّ النَّبِيِّ بشيرٌ ونذيرٌ.
وقوله :" بمغفرة " على التنكير أي بمغفرة واسعةٍ تسيرُ من جميع الجوانب " وَأجْرٍ كريمٍ " أي ذي كرم كقوله :﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " والمراد به الجنة.
قوله تعالى :{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ﴾
عند البعث.
لما بين الرسالة وهو أصل من الأصول الثلاثة التي يصير بهم المكلف مؤمناً مسلماً ذكر أصلاً آخر وهو الحشر.
ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما ذكر الإنذار والبشارة بقوله :﴿فَبَشِّرهم بمغفرة﴾ ولم يظهر ذلك بكماله في الدنيا فقال : إن لم يرد في الدنيا فاللَّه يحي الموتى وُيجْزَى المنذّرُونَ والمُبشرُونَ ووجه آخر وهو أن تعالى لما ذكر خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يكده وهو إحْيَاءُ الموتى.

فصل " إنّا نحن " يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبراً كقوله :


٤١٧١ - أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٧٠
ومثل هذا يقال عند الشُّهْرَة العظيمة، وذلك لأنَّ من لا يُعْرَفُ يُقَال (لَهُ) : من أنت ؟ فيقول : أنا ابنُ فُلاَنٍ فيُعْرَفُ، ومن يكون مشهوراً إذا قيل له : مَنْ أَنْتَ، يقول :
١٧٧


الصفحة التالية
Icon