فالأول :(يقال) لمن لك يتردد في نسبة أحد الطرفين إلا الآخر نحو : زَيْدٌ عَارَفٌ.
والثاني : لمن هو مترد في ذلك طالبٌ له منكِرٌ له بعض إنكار فيقال له : إنَّ زَيْداً عَارِفٌ.
والثالث : لم يبالغ في إنكاره فيقال له : إنَّ زَيْداً لَعاَرِفٌ ومن أحسن ما يحى أن رجلاً جاء إلى أبي العباس الكِنْديِّ فقال : يا أبا العباس : إني لأجدُ في كلام العرب حشواً قال : وما ذالك ؟ قال : يقولون زُيْدٌ قَائِمٌ، وإنَّ زَيْداً لَقَائمٌ، فقال : كلاَّ، بل المعاني مختلفة، " فعبد الله قائم " إخبار بقيامة، و " إنَّ عبد الله قائمٌ " جواب لسؤال سائل و " إنَّ عبد الله لقائمٌ " جواب عن إنكار مُنْكِر وهذا هوا لكندي الذي سئل أن يعارض القرآن ففتح المصحف فرأى سورة المائدة وقال أبو حيان : وجاء أولاً " مرسلون " بغير لام، لأنه ابتداء إخْبار، فلا يحتاج إلى توكيد، وبعد المجاورة " لَمُرْسَلُونَ " بلام التوكيد، لأنه جواب عن إنكارٍ.
قال شهاب الدين :" وهذا قصور عن فهم ما قاله أهل البيان، فإنه جعل المقام الثاني - وهو الطلبي - مقام المقام الأول وهو الابتدائي ".
قوله :﴿مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَـانُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾ جعلوا كونهم بشراً مِثلهم دليلاً على عدم الإرسال.
وهذا عام في المشركين قالوا في حق محمد عليه (الصلاة و) السلام :﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا﴾ [ص : ٨] وإنما ظنُّوه دليلاً بناء على أنهم لم يعتقدوا في الله الاختيار وإنما قالوا : إنه موجب بالذات وقد استوينا في البشرية فلا يمكن (الرجحان) فرد الله تعالى عليهم بقوله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام : ١٢٤] وبقوله :﴿اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشورى :
١٨٤
١٣] إلى غير ذلك.
ثم قالوا :" وَمَا أَنْزَل الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ " وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون مُتمِّماً لما ذكرو (ه) فيكون الكل شبهةً واحدة، والمعنى وما أنزل الله إليكم أحداً فكيف صرتم رسلاً ؟ ! والثاني : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة وهي أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا، فلا يجوز رُجْحَانُكم علينا.
ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المُرْسَلِين ثم قولا شبهة أخرى من جهة المرسِل وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئاً في هذا العالم، فإن تصرفه في العالم العلوي فاللَّهُ لم ينزل شيئاً من الأشياء في الدينا فكيف أنزل إليكم ؟ !.
وقوله تعالى :﴿الرَّحْمَـانُ﴾ إشارة إلى الرد عليهم، لأن الله تعالى لما كان رَحْمنَ الدُّنْيَا، والإرسال رحمة فيكف لا ينزل رحمته وهو رَحْمن ؟ ! ثم قال :" إنْ أَنْتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ " أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون " إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِم اثْنَيْنِ " قال وهب : اسمهما يحيى وبولس " فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا " برسول " ثَالِثٍ " وهو شمعون وقال كعب : الرسولان صَادِق وصدوق والثالث سلوم.
وإنما أضاف الله الإرسال إليه، لأن عيسى عليه (الصلاة و) السلام - إنما بعثهم بأمرهم عز وجل -.
قوله :﴿قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ وهذا إشارة إلى أنهم مجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك لهم، وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين ﴿قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ وأكدوه باللام لأن علم الله يجري مَجْرَى القسم، كقوله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام : ١٢٤]أي هو عالم بالأمور " وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاَغُ المُبِينُ " وذلك تسلية لأنفسهم أي نحن خرجنا عن عُهْدَةِ ما علينا هو البَلاَغ وقوله " المبين " أي المبين الحق عن الباطل وه والفارق بالمعجزة والبُرهان ؛ إذ البلاغ المظهر لما ارسلنا إلى الكل أي لا يكفي أن يبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين.
أو المظهر للحق بكل ما يمكن فإذا لم يقبلوا الحق فهنالك الهلاك فما كان جوابهم بعد ذلك إلا قولهم :" إنا تَطَيَّرْنا بِكُمْ " أي تَشَاءمنا بكُمْ وذلك أن المطر حُبِسَ عنهم فقالوا أصابنا هذا بشؤمِكُمْ " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمنَّكُمْ " لنقتلنّكم قاله قتادة.
وقيل : لنشتمنّكم " وليمسنكم منا عذاب أليم " فإن فسرنا الرجم بالحجارة فيكون
١٨٥