بفتحها وليست إلا غلط (على عاصم)، إذ لا وجه (لها) وقد وقع لابن عطية وَهَمٌ فاحش في ذلك فقال : وقرأ الجمهور بفتح النون وقال أبو حاتم : هذا خطأ فلا يجوز لأنه أمر فإما حذف النون وإما كسرها على جهة الياء عين ياء المتكلم، وقد يكون قوله :" الجمهور " سبقَ قلم منه أو من النساخ وكان الأصل : وقرأ غيرُ الجمهور فسقط لفظة " غيره " (و) قال ابن عطية حذف من الكلام ما تواترت الأخبار والروايات به وهو أنهم قتلوه فقيل له عند موته : ادْخُلِ الجَنَّة بَعْدَ القتل وقيل : قوله :(قِيلَ) ادخل الجنة عطف على قوله :﴿آمَنتُ بِرَبِّكُمْ﴾ فعلى الأول يكون قوله :﴿يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ بعد موته والله أخبر بقوله، وعلى الثاني قال ذلك في حياته وكان يسمع الرسل يقولون إنه من الداخلين الجنة وصدقهم وقعطع به.
قوله :(قَال) يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ " كما علمت فيؤمنون كما آمنت وقال الحسن خرقوا خرقاً في حَلْقِهِ وعلقوه في سرو المدينة وقره بأنطاكية فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق، فذلك قوله عز وجل :" قِيلَ ادْخُل الجَنَّة " فلما أقضى إلى الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي أي بغرانربي لي وجعلين من المكرمين.
قوله :﴿بِمَا غَفَرَ لِي﴾ يجوز في (ما) هذه ثلاثة أوجه : المصدرية كما تقدم والثاني : أنها بمعنى الذي والعائد محذوف أي بالذي غفره لي ربي واسْتُضْعِفَ هذا من حيث إنه يبقى معناه أنه تمنى أن يعمل قومه بذنبوه المغفورة.
ولي المعنى على ذلك إنما المعنى على تَمَنِّي علمهم بغفران رَبِّه ذُنُوبَه والثالث : أنها استفهامية وإليْهِ ذَهَبَ الفرّاء ورده الكسائي بأنه كان
١٩٦
ينبغي حذف ألها لكونها مجرورة وهو رد صحيح وقال الزمخشري الأجود وطرح الألف والمشهور من مذهب البصريين وجوب حذف ألها كقوله : ٤١٧٣ - (عَلاَمَ يقُولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ عَاتِقِي
إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعُنْ إذَا الخَيْلُ كَرَّتِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٩٠
إلاَّ في ضرورة كقول الشاعر).
٤١٧٤ - عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئيمٌ
كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادٍ
وقرئ من المكرمين بتشديد الراء.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٩٠
قوله (تعالى) :﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ﴾ لما تمنى أن
١٩٧
يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل حبيب غضب الله وعجل لهم النَّقْمة وأمر جبريل - عليه (الصلاة و) السلام - فصاح بهم صيحةً واحدةً فماتوا عن آخرهم فذلك قوله :﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ﴾ يعني الملائكة.
قوله :" وما كنا منولين " في (ما) هذه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنها ناقية كالتي قبلها فتكون الجملة الثانية جارية مَجْرى التأكيد للأولَى.
والثاني : أنها مزيدة قال أبو البقاء : اي وقد كنا منزلين وهذا لا يجوز البتة لفساده لفظاً ومعنى.
الثالث : أنها اسم معطوف على " جُنْدٍ " قال ابن عطية : أي من جند من الذين كُنَّا مُنْزِلينَ وردّه أبو حيان بأن " مِنْ " مزيدة، وهذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب جار لمعرفة ومذهب البصريين غير الأخفش أن يكون الكلام غير موجب وأن يكون المجرور نكرة، قال شهاب الدين : فالذي ينبغي عند من يقول بذلك (أن) يقدرها بنكرة أي : ومن عذاب كُنَّا مُنْزليه والجملة بعضها صفة لها وأما قوله إن هذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب فليس بصحيح البتة وتعجَّبْتُ كَيْفَ يَلْزُم ذَلِكَ ؟ !.
فصل قال ههنا " وما أنزلنا " بإسناد الفعل إلى النفس، وقال في بيان حال المؤمن :" قِيلَ ادْخُل الجَنَّة " بإسناد القول إلى غير مذكور لأن العذاب من الهيئة فقال بلفظ التعظيم وأما إدخال الجنة فقال : قيل :(ليكون كالمهنأ بقول الملائكة وبقول كل صلاح يراه ادخل الجنة خالداً كالتهنئة له، وكثيراً ما ورد) في القرآن قوله تعالى :" وقيل ادخلوا " إشارة إلى أن الدخول يكون دخولاً بإكْرَامِ.
فإن قيل : لم أضاف القوم إليه مع أن الرسل أولى بكون الجمع قوماً لهم لأن الرسول لكونه مرسلاً يكون جميع الخلق أو جميع من أرسل إليهم قوماً لهم ؟.
١٩٨