بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَانِّي
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٩٧
أي بلهفها بمعنى لهفي وقرئ : يا حَسْرتَا بالألف كالتي في الزمر وهي شاهدة لقراءة ابن عباس وتكون التاء لله تعالى، وذلك على سبل المجاز دلالة على فرط هذه الحسرة وإلا فاللَّه تعالى لا يوصف بذلك قوله :" مَا يَأْتِيهِمْ " هذه الجملة لا محل لها لأنها مفسِّرة لسبب الحسرة عليهم وهذا الضمير يجوزأن يكون عائداً إلى قوم حبيب أي ما يأتيهم من رسول من الرّسلِ الثلاثة.
ويجوز : أن يعود إلى الكفار المصرين وقوله :" إلاَّ كَانُوا " جملة حالية من مفعول " يَأْتِيهِمْ ".
٢٠٢
فصل الألف واللام في العبادة قيل : للعهدوهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك.
وقيل : لتعريف الجنس أي جنس الكفار المكذبين وقيل : المراد بالعبادة الرسل الثلاثة كأنه الكافرين يقولون عند ظهور اليأس يا حسرةً عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين لنؤمن بهم ثانياً وهم قوم (حبيب) وفي التحسر وجوه : الأول : لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذا المقصودُ بيانُ (أن) ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عن تحقق العذاب وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض كثيراً إذا كان الغرض غير متعلق به يقال : فلان يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء مُعْطًى ولا شخص معطى، إذا المقصود أن له المنع والإعطاء، ورفض المفعول كثير وما نحو فيه رفض الفاعل وهو قليل.
والوجه فيه أن ذكر التحسر غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في خلال الوقت.
الثاني : أن القائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيماً لللأمر وتهويلاً له وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حقل اله كالضِّحِك والسُّخْرية والتعجيب والتّمنِّي.
أو يقال لي معنى قوله يا حسرة أو يا ندامة أن القائل متحسر أو نادم بل المعنى أنه مخبرٌ عن الوقوع وقوع الندامة ولا يحتاج إلى التجوز في كونه تعالى قائلاً يا حسرة بل تجْريه على حقيقته إلا في الندامة فإن النداء مجاز والمراد الإخبار.
الثالث : أن المتلهفين من المسلمين والملائكة لما حكى عن حبيب أنه حين القتل كان يقوله اللَّهم اهد قومي وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال يا ليت قومي علمون فيجوز أن يتحسر المسلم لكافر ويندم له وعليه وقوله :﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ هذا سبب الندامة.
فصل قال الزهري الحسرة لا تدعى، ودعاءها تنبيه للمخاطبين، وقيل العرب تقول : يا حَسْرَتَا ويا عَجَبَا على طريق المبالغة.
والنداء عندهم بمعنى التنبيه فكأنه يقول : أيها العجبُ هذا وقتُكَ وأيتها الحسرة هذا أوَانُكِ وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتَّعَجُّب
٢٠٣
قوله :﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ لما بين حال الأولين قال للحاضرين : ألَمْ يَرُوا الباقون ما جرى على من تقم منهم قوله :" كم أهلكنا " كم هنا خبرية فهي فعول بأهلكنا " تقديره كثيراً من القرون أهلكنا وهي مُعَلِّقة " ليَرَوْا " ذهاباً بالخبرية مذهب الاستفهامية، وقيل : بل " يَرَوا " علمية " وكم " استفهامية كما سيأتي بيانه و " أَنَّهُمْ إلَيْهِمْ لا يرجعون " فيه أوجه : أحدها : أنه بدل من " كم " قال ابن عطية و " كم " هنا خبرية و " أنهم " بدل منها، والرؤية بصرية قال أبو حيان وهذا لا يصح لأنها إذا كانت خبرية (كانت) في موضع نصب " بأهلكنا " ولا يسوغ فيها إلا ذلك وإذا كانت كذلك امتنع أن يكون " أنهم " بدلاً منها لأن البدل على نية تكرار العامل ولو سلطت " أهلكنا(هم) " على " أنهم " لم يصح ألا ترى أنك لو قلت : أهلكنا انتفى رجوعهم أو أهلكنا كونهم لا يرجعون لم يكن كلاماً لكنَّ ابْنَ عطية توهم أن (يَرُوْا) مفعولة " كم " فتوهم أن قوله :﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ بدل منه لأنه لا يسوغ أن يسلط عليه فتقول : ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون.
وهذا وأمثاله دليل إلى ضعفه في (عِلْم) العربية قال شهاب الدين : وهذا الإنحاءُ عليه تحامل عليه لأنه لقائل أن يقول : كم قد جعلها خبرية والخبرية يجوز أن تكون معمولة لما قبلها عند قوم فيقولون :" مَلَكْتُ كم عبدٍ " فلم يلزم الصدر فيجوز أن يكون بناء هذا التوجيه على هذه اللغة وجعل " كم " منصوبة " بيَرَوا " و " أنهم " بدل منها وليس هو ضعيفاً في العربية حينئذ.
٢٠٤