مقولان تكون معمولة لفعل محذوف يقتضي انقطاعها عما قبلها والضمير في " أنهم " عائد على معنى كم، وفي " إليهم " عائد على ما عاد عليه واو " يَرَوا " (وقيل : بل الأول عائد على ما عاد عليه واو يَرَوْا " والثاني عائد على المُهْلَكِينَ.
فصل المعنى ألم يخبروا أهل مكة كم أهلكنا قبلهم من القرون والقرن أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ سموا بذلك لاقترانهم في الوجود أنَّهُمْ إلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعبترون وقيل : لا يرجعون أي الباقون لا يرجعون إلى المُهْلَكين بنسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أنَّ الإهلاك الذي يكون مع قطع النّيل أتم وأعم والأول أشه نقلاً والثاني أظهر عقلاً.
قوله :﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ﴾ تقدم فيهود تشديد " لمَّا " وتخفيفها والكلام في ذلك، وقال ابن الخطيب في مناسبة وقع " لما " المشددة موقع " إلا " : إن لما كأنَّهَا حَرْفا نفي جمعاً وهما :" لَمْ " و " مَا " فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي :" إن ولاَ " فاستعمل أحدهما مكان الآخر انتهى وهذا يجوز أن يكون أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء إنها مركبة من " إنْ ولاَ " إلا أنَّ الفراء جعل إنْ مخففة من الثقيلة وجعلها نافية وهو قول ركيك رَدَّهُ عليه النحويون وقال الفراء أيضاً إنّ لما هذه أصلها لَمْمَ فخففت بالحذف وتقديم هذا كله مُوَضِّحاً.
٢٠٧
و " كل " مبتدأ و " جميع " خبره و " مُحْضَرُونَ " خبر ثاني لا يختلف ذلك سواء شددت " لما " أم خففتها، لا يقال : إن جميعاً تأكيد لا خبر (لأن) " جميعها " هنا فَعِيل بعنى مفعول أي مجموعون فكل يدل على الإحاطة والشمول وجميع يدل على الاجتماع فمعناها حمل على لفظها كما في قوله :﴿جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ [القمر : ٤٤] وقدم " جميع " في الموضعين لأجْل الفَوَاصِل و " لَدَيْنا " متعلق " بمُحْضَرُونَ " فمن شدد " فلما " بمعنى إلا وإنْ نافية كما تقدم والتقدير : ومَا كُلُّ إلاَّ جميعٌ ومن خفَّفَ " فَإنْ " مخففة (من الثقيلة) واللام فارقة وما مزيدة هذا قولا البصريين والكوفيون يقولون : إنَّ " إنْ " نافية واللام بمعنى إلا كما تقدم مراراً.
فصل لما بين الإهلاك بين أن من أهْلَكَهُ ليس بتارك له بل بعده جمع وحبس وحساب وعقابٌ ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحةً ونعْمَ ما قال القائل : ٤١٧٩ - ولو أنّا إذا ما متْنَا تُرِكْنَا
لَكَانَ المَوْتُ رَاحَة كُلِّ حَيِّ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٩٧
٢٠٨
وَلكِنَّا إِذا مِتْنا بُعِثْنا
وَنُسْأَلُ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيِّ
قال الزمخشري : إن قال قائل :" كل وجميع " بمعنى واحد فكيف جعل جميعاً خبراً لـ " كلّ " حيث أدخل اللام عليه إذ التقدير وإن كل لجميعٌ ؟ نقول معنى " جميع " مجموع ومعنى " كل " أي كل فرد مجمع مع الآخر مضموم إليه ويمكن أن يقال :" مُحْضَرُونَ " يعني كما ذكره وذلك لأنه لو قال : وإن جميع لجميع محضرون لكان كلاماً صحيحاً.
قال ابن الخطيب : ولم يوجد ما ذكره من الجواب بل الصحيح أنَّ مُحْضَرُونَ كالصفة للجمع فكأنه قال جميعٌ جميعٌ محضرون كما نقُول : الرجلُ رجلٌ عالم والنبيُّ نبيُّ مرسل.
والواو في " وَإنْ كُلّ " يعطف على الحكاية كأنه يقول : بَيَّنْتُ لك ما ذكرت وأبين أن كُلاًّ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٩٧
قوله :﴿وَآيَةٌ﴾ خبر مقدم و " لَهُمْ " صفتها أو متعلقة " بآية " ؛ لأنها (بمعنى) علامة.
و " الأرض " مبتدأ وتقدم تخفيف " الميتة " وتشديدها في أول (آل) عمران.
ومع أبو حيان أن يكون " لأهم " صفة لآية ولم يبين وَجْهَةُ ولا وجه له وأعرب أبو البقاء " آية " مبتدأ و " لهم " الخبر و " الأرض الميتة " مبتدأ وصفته و " أَحْيَيْنَا " خبره، والجملة مفسرة " لآيةٍ ".
٢٠٩
وبهذا بدأ ثم قال : وقيل ؛ فذكر الوجه الأول وكذلك حكى مَكِّيٌّ أعني أن تكون " آية " ابتداء و " لهم " الخبر وجوز مكي أيضاً أن تكون " آية " متبدأ و " الأرض " خبره وهذا ينبغي أن لا يجوز ؛ لأنه لا يُتْرَكُ المعرفة من الابتداء بها ويبتدأ بالنَّكِرَة إلاَّ في مَوَاضِعَ للضَّرُورَةِ.
قوله :" أحييناها " تقدم أنه يجوز أن يكون خبر " الأَرْضِ " ويجوز أيضاً أن يكون حالاً من " الأَرْضِ " إذا جعلناها مبتداً و " آية " خبر مقدم وجوز الزمخشري في " أَحْيَيْنَاهَا " وفي " نَسْلخُ " أن يكونا صفتين للأرض والليل وإن كانا معرفين بأل لأنه تعريف بأل الجنسيَّة فهما في قوة النكرة قال كقوله : ٤١٨٠ - وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
................
لأنه لم يقصد لئيماً بعينه، ورده أبو حيان بأن فيه هدماً للقواعد من أنّه لا تنعت
٢١٠