الكلِّيُّ استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكُلِّيُّ ؛ فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة ؛ لأن المكانَ لا يستغني عنه الجواهر والزمان لا يستغني عنه الأعراض لأن كل عرض فهو في زمان.
فإن قيل : إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فَلِمَ خَصَّ الدليل ؟ !.
فالجواب : أنه لما استدل بالمكان المظلم وهو الأرض استدل بالزَّمَان المُظْلِم وهو الليل ووجه آخر وهو أن اللَّيْلَ فيه سكون (الناس) وهدوء الأصوات وفيه النَّوْم وهو الموت الأصغر فيكون بعد طلوع الفَجْرِ كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ [يس : ٣٣] وذكر من الزمان أشبههما بالموت كما ذكر في المكان أشْبَهَهُمَا بالموت.
فإن قيل : الليل بنفسه آية فأيُّ حاجة إلى قوله :﴿نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾.
فالجواب : أن الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها.
قوله :﴿فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ أي داخلون في الظلام كقوله :" مُصْبِحِينَ " و " إذَا " للمفاجأة ؛ أي ليس لهم بعد ذلك أمرٌ لا بد لهم من الدخول فيه.
قوله :﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ يحتمل أن تكون الواو للعطف على " اللَّيْل " تقديره :" وآيَةٌ لَهُم اللَّيلُ نسلخ والشمسُ تَجْري والقمر قدرناه " فيه كلها آية ووقوله " والشمس تجري " إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها بأم الله فمغرِب الشمس سالخ النّهار فذكر السبب بين صحة الدعوة ويحتمل أن يقال بأن قوله :" والشمس تجري لمستقر لها " إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال :" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار " ذك أن الشمس تجري فتطلع عن انقضاء الليل فيعود النهار لمنافعه.
قال المفسرون : إن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة.
قوله :" لمستقر " قيل : في الكلام حذف مضاف تقديره تَجْري لِمَجْرى مُسْتَقَرٍّ لها
٢١٦
وعلى هذا فاللام للعلة أي لأجل جري مستقر لها.
والصحيح أنه لا حذف وأن اللام بمعنى " إلى " ويدل على ذلك قراءة بعضهم " إلَى مُسْتَقَرٍّ " وقرأ عبد الله وابن عباس وعكرمة وزيْن العابدين وابنُه الباقر والصَّادِق ابن الباقر : لاَ مُسْتَقَّر بلا النافية للجنس وبناء " مُسْتَقَر " على الفتح و " لها " الخبر وابن عبلة لا مُسْتَقَرٌّ بلا العاملة عمل ليس " فمستقر " اسمها و " لها " في محل نصب خبرها، كقوله : ٤١٨٢ - تَعَزَّ فَلاَ شَيْءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيا
وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَاقِيَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢١٥
والمراد (بذلك) أنها لا تستقر في الدنيا بل هي دائمة الجَرَيان وذلك إشارة إلى جريها المذكور.
فصل قيل : المراد بالمستقر يوم القيامة فعندها تستقر ولا يقى لها حركة وقيل : تَسِيرُ حتَّى تَنْتَهِيَ إلى أبعد مغاربها فلا تتجاوزه ثم ترجع وقيل : الليل وقيل : نهاية ارتفاعها في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء " وروى أبو ذَرّ قال : قال رسول الله - ﷺ - لأبي ذر حين غربَتِ الشمس :" تدري أين تذهب " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب حت تسجُدَ تحت العرش فتستأذنَ فيؤذَنَ لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل (منها) وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها : ارْجِعِي من حيث جئت فتطلع من مغربها
٢١٧


الصفحة التالية
Icon